حنان ياقوتي
ـ في الوقت الذي تتزين فيه فضاءات المدن بأنوار المهرجانات والفعاليات الثقافية، تقبع أسر مغربية في الظل، تناضل بصمتٍ من أجل حق بسيط : مأوى يضمن لها الكرامة .
خلف مشهد البهرجة ، تنكشف مفارقة صارخة بين من يستعرض نجاحات التنمية، ومن لا يزال يدفع ثمن التهميش والانتظار الطويل.
ففي قلب الحي المحمدي، وعلى أرض كريان سنطرال التي احتضنت آلاف الأسر لعقود، يُرتقب تنظيم مهرجان ثقافي كبير، في إطار مشروع تحويل الفضاء إلى منتزه بيئي وترفيهي. لكن خلف هذا التحول، تختبئ قصص لم تُروَ بعد، وأسر لم تُنصف، وملفات لم تُغلق.رغم إعلان السلطات سنة 2017 عن إنهاء دور الصفيح بنسبة 100%، لا تزال بعض الأسر المتضررة تعيش في وضعية هشاشة، تنتظر تسوية ملفاتها العالقة، خاصة تلك المرتبطة بزواج ما بعد 2010 أو الحالات الاجتماعية الاستثنائية. وبينما تُنصب منصات الاحتفال، يشعر من عاشوا في المكان بأنهم أُقصوا من ذاكرة الحي، دون اعتراف أو إشراك رمزي في هذا التحول .
“تحولت أماكن معاناتنا إلى فضاءات احتفال .. إلا أننا ما زلنا مهمشين”، تقول أحد المتضررات رحّلت من كريان سنطرال دون أن تستفيد من أي بديل سكني.
ـ المشروع الذي تعهدت به شركة التنمية المحلية “الدار البيضاء للبيئة” بشراكة مع جماعة الدار البيضاء ومجلس الجهة، يتضمن منتزهاً على مساحة 33 هكتاراً، ومرافق رياضية وثقافية، ومتحفاً يخلد ذاكرة كريان سنطرال والحي المحمدي. لكن التأخر الكبير في إنجازه، وعدم وضوح الجدول الزمني، أثار مخاوف الساكنة من تحريف أهداف المشروع أو تفويته لمصالح عقارية .
بحسب الفصل 31 من الدستور المغربي، فإن الحق في السكن اللائق يُعد من الحقوق الأساسية التي يجب أن تضمنها الدولة لكل المواطنين. غير أن الواقع يبيّن أن هذا الحق لا يزال مؤجلاً لشرائح واسعة، فيما يُنظر إلى برامج الإسكان أحياناً كأوراش تقنية أكثر منها اجتماعية.
ـ في ظل هذه المفارقة، تطرح التساؤلات الكبرى: هل تُقام التنمية على أنقاض المعاناة؟ وهل يمكن للاحتفالات أن تكتسب شرعيتها بينما هناك من يعيش تحت خطر التشرد؟ تحتاج المشاريع السكنية اليوم إلى مراجعة عادلة، تُراعي احتياجات كل المواطنين وتُعيد الاعتبار للفئات التي بقيت في الظل.
فمسؤولية الدولة لا تقتصر على بناء الفضاءات العامة، بل تمتد إلى بناء الثقة والكرامة، وإعطاء الأولوية للأسر الهشة قبل أي بهرجة رمزية. وبين فرحة الاحتفالات وصمت المشردين، يظل السكن الحقَ المنسيّ الذي لا يحتمل الانتظار.