بالقلم: يونس الركيك
بأنوثة فنية هادئة، وصوت يحمل بين نبراته نضج التجربة واندفاع الموهبة، سطعت الفنانة الصاعدة رؤيا صالحي على منصة مهرجان “صيف الأوداية” في دورته الثالثة عشرة، لتمنح جمهور العاصمة لحظة موسيقية استثنائية تُثبت من خلالها أن جيل الشباب قادر على إعادة صياغة الأغنية المغربية بأسلوب عصري دون التفريط في جذورها.
في فضاء مفتوح على نهر أبي رقراق وتاريخ مدينة الأوداية العريق، حيث يمتزج الفن بجمال المكان، اعتلت رؤيا صالحي المنصة بثقة الفنانة التي تؤمن برسالتها، وقدمت أداءً راقياً استحضر التراث المغربي بروح معاصرة، جاعلة من حضورها حدثًا لافتًا في واحدة من أهم سهرات المهرجان.
حضور فني لافت يتجاوز التوقعات رغم كونها من الأصوات الصاعدة حديثًا في المشهد الفني، فقد نجحت رؤيا في أن تحفر لنفسها مكانًا في ذاكرة الجمهور الحاضر، حيث عبّر العشرات عن إعجابهم بقدراتها الغنائية وتفاعلهم الصادق مع اختياراتها الفنية، التي راوحت بين المقامات الكلاسيكية والإيقاعات الشبابية الراقية.
اختارت الفنانة الشابة أن تفتتح فقرتها الغنائية بأغنية مستلهمة من الطرب المغربي الأصيل، قبل أن تنتقل إلى مقطوعات تميل إلى الفيوجن والموسيقى البديلة، في توليفة ذكية عكست وعيها الفني وقدرتها على التجديد دون القطيعة مع الهوية الموسيقية المغربية.
جمهور الرباط يحتفي بصوت جديد من بين المئات الذين تابعوا العرض، لم يكن التفاعل عادياً. فالتصفيق المتكرر، والهواتف المحمولة التي توهجت لتوثيق اللحظة، والهتافات المشجعة، كلها دلائل على أن رؤيا استطاعت أن تلمس شيئًا عميقًا في ذائقة جمهور الرباط، الذي يُعرف بصرامته الفنية و انتقائيته.
وأعرب عدد من الحضور عن إعجابهم بالفنانة الشابة، معتبرين أن صالحي تمثل “نموذجًا فنيًا مشرقًا لجيل جديد من المغنيات اللائي يمزجن بين التكوين الأكاديمي والحس الجمالي”. كما نوه بعضهم بقدرتها على “التواصل العفوي” مع الجمهور، وهو عنصر أساسي في بناء القرب بين الفنان ومتلقيه.
في تصريح صحفي عقب الحفل، قالت رؤيا صالحي: “أنا ممتنة لجمهور الرباط الذي استقبلني بكل هذا الدفء. مهرجان الأوداية محطة فنية لها رمزية خاصة، وأشعر بالفخر أن أكون جزءًا منها. أؤمن أن الفن ليس مجرد تسلية، بل مسؤولية، وأن التجديد لا يعني التخلي عن الأصالة، بل إعادة تقديمها بما يلامس وجدان الإنسان المعاصر.”
وأشارت إلى أن تجربتها ما تزال في بدايتها، لكنها تسعى إلى رسم خط فني خاص بها، لا يشبه أحدًا، وينطلق من الثقافة المغربية ويتجه إلى العالم، عبر أنماط موسيقية متنوعة تتكامل داخل هوية واحدة.
مهرجان “صيف الأوداية”، الذي تنظمه وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة، بات يُعد من أبرز التظاهرات الفنية التي تفتح أبوابها للفنانين من مختلف الأجيال. فإلى جانب نجوم الأغنية المغربية المعروفين، يحرص المنظمون على منح الفرصة للأصوات الصاعدة لتقديم مشاريعها أمام جمهور واسع، ما يسهم في تشجيع المواهب وتطوير المشهد الفني الوطني.
وإدراج اسم رؤيا صالحي في برنامج المهرجان لهذا العام، هو بمثابة اعتراف رسمي بموهبتها، ودعوة مفتوحة للجمهور المغربي لاكتشاف فنانة تمتلك من الطموح والرؤية ما يكفي لتشق طريقها بثبات نحو القمة.
رؤيا صالحي ليست فقط صوتًا جميلًا، بل مشروع فني متكامل يحمل بصمة جيل جديد يتقن لغة الفن، ويعي أهمية الجمال في زمن تتقاطع فيه السرعة والتشويش. هي ابنة هذا الوطن، ولكنها أيضًا نافذته نحو المستقبل، حيث تلتقي الأنغام القديمة بإيقاعات الحاضر، وتولد أغنية جديدة… على مقاس القلب.