منتزه فاخر وسط ركام الحريق.. وجرافات تقتلع الصنوبر لزرع “الزيتون العقاري”!
على أنقاض حريقٍ التهم أجزاء واسعة من غابة “شراقة” الواقعة بضواحي حجر النحل بطنجة، انطلقت أشغال مشروع ربحي وترفيهي يُروج له على أنه “الأول من نوعه” بالجهة، لكنه في نظر كثيرين، عنوان صارخ لتغوّل لوبيات العقار التي وجدت في الكوارث البيئية مدخلًا لتفويت أراضٍ غابوية وتحويلها إلى مشاريع تدرّ الملايين.
الرقعة الغابوية التي احترقت قبل سنوات لم تحظَ بإعادة التشجير، ولم تُعلن كمجال بيئي محمي، بل استُخرج لها ترخيص استثنائي من الجهات المعنية، سرعان ما تُرجم إلى منتزه فخم يضم مقاهي وألعابا رياضية، وجذبٍ دعائي يُخفي خلفه عمليات اقتلاع لأشجار الصنوبر وتعويضها بأشجار الزيتون، في محاولة مكشوفة لتغيير طبيعة الغطاء النباتي، ما يُسهّل لاحقًا تحويل الغابة إلى ضيعة استثمارية خاصة. حادثة خطيرة وقعت خلال افتتاح المشروع، حين تعرضت شابة لحروق من الدرجة الأولى بسبب عرض “نفث النار”، ففضحت ما كان يُسوَّق له باعتباره فضاءً ترفيهيًا آمنا ومفتوحًا للجميع.
المشروع ليس معزولا عن سياق أوسع، فطنجة عرفت في السنتين الماضيتين تقليصًا مهولًا في مساحاتها الغابوية بسبب تراخيص لجنة الاستثناءات، أبرزها ما سُمح به مؤخرًا في غابة مديونة لإقامة حزام من الفيلات على حساب الغطاء الأخضر، وسط صمت إداري مطبق تعتبره جهات مدنية بمثابة ضوء أخضر غير معلن لنهب ما تبقى من الغابات.
حركة “الشباب الأخضر”، وهي من أبرز الأصوات المدافعة عن البيئة بالمنطقة، نظمت زيارات ميدانية إلى مواقع الأشغال، ووثّقت مشاهد مثيرة للقلق تُظهر الجرافات تقتلع الأشجار، ما دفعها إلى إعلان “حالة طوارئ بيئية” بطنجة، مؤكدة أن المدينة تواجه خطر تجريف غطائها النباتي لصالح مشاريع تجارية لا تضع البيئة ضمن أولوياتها.
بالمقابل، حاولت بعض الفرق البرلمانية دق ناقوس الخطر، وراسلت كلا من وزارة الداخلية ومصالح المياه والغابات مطالبة بإيقاف أي نشاط تجاري أو عمراني على الأراضي الغابوية، وتشجير المساحات المتضررة، واعتماد مسطرة التحفيظ القانوني لحمايتها من الترامي، لكن هذه المبادرات بقيت حبيسة المكاتب ولم تُترجم إلى قرارات عملية.
أمام هذه التجاوزات، بات مطلب حماية الغطاء الغابوي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، وسط دعوات بإحداث منتزهات بيئية حقيقية بدل المنتزهات الاستثمارية، وإعادة الاعتبار للغابة كمجال مشترك وحق جماعي للساكنة، لا كفرصة اقتصادية لذوي النفوذ. وبين غابة تُحرق ثم تُباع، وسلطات تراقب بصمت، تطرح طنجة اليوم سؤالًا مُلحًا: هل ما زال في المدينة مكانٌ يُسمى “غابة”؟