أحمد زعيم
في العاشر من غشت من كل عام، تشهد مختلف المدن المغربية فعاليات اليوم الوطني للمهاجر، في ما يُقدم على أنه إحتفاء بالجالية المغربية بالخارج وإبراز لمكانتها في التنمية الاقتصادية والإجتماعية. تتنوع الأنشطة بين حفلات وندوات وتكريمات رمزية، وأيام طبية وثقافية وترفيهية، يُفترض أنها تعزز جسور التواصل بين مغاربة العالم ووطنهم، مع إسهام محدود في تحريك الدورة الاقتصادية المحلية.
لكن، رغم هذا الطابع الإيجابي المعلن، تتصاعد أصوات مهاجرين ترى أن هذه التظاهرات لا تعكس أولوياتهم الحقيقية ولا تعالج الإكراهات التي يواجهونها، بل تكتفي بالجانب الإحتفالي والصور التذكارية. ويعكس تراجع إقبال عدد منهم على زيارة المغرب فتورا في العلاقة، بفعل أزمات اقتصادية، وارتفاع تكاليف السفر، وغلاء المعيشة، إضافة إلى شعور متزايد بأن المهاجر يعامل كمصدر للعملة الصعبة أكثر من كونه مواطنا له كامل الحقوق.
وتتكرر على أرض الواقع صعوبات إدارية وقانونية تشمل الإستثمار، وتملك العقار أو بيعه، والحصول على خدمات أساسية، فضلا عن شكايات بالنصب والإحتيال في مجالات كالعقار والبناء، وتعقيد المساطر رغم الشعارات المرفوعة حول التبسيط والرقمنة. ويبرز مثال توقف عقود البيع والشراء بالفقيه بن صالح، بسبب عدم تمكين العدول والموثقين من الإبراء الضريبي، كدليل على إستمرار العراقيل الميدانية.
هذه الأوضاع تدفع المهاجرين إلى طرح أسئلة مشروعة: ما مآل التوصيات المعلنة كل سنة؟ كم مشروعا تم دعمه؟ وكم مستثمرا تمت مواكبته؟ وهل تشمل الملتقيات جميع الفئات، بما في ذلك البسطاء، أم أنها تقتصر على وجوه ناجحة مرتبطة بعلاقات شخصية لإعطاء انطباع بالنجاح؟ كما تُثار تساؤلات حول طرق صرف الميزانيات العمومية، ومعايير إختيار المكرمين، وسط مؤشرات على تغييب فئات واسعة من الحرفيين والعمال والتجار.
وتذهب بعض الأوساط الجمعوية والإعلامية أبعد من ذلك، متسائلة ما إذا كانت هذه الملتقيات تُستغل أحيانا لأغراض سياسية أو للتقرب من أصحاب القرار والنفوذ، في سياق حسابات محلية ضيقة، وهو ما يستدعي شفافية أكبر، خاصة حين يتعلق الأمر ببرامج تُمول من المال العام وتُنظم باسم الجالية.
وعلى المستوى التنموي، يبرز سؤال جوهري: هل يمكن ضمان إستثمار فلاحي أو صناعي أو تجاري مستدام دون موارد مائية كافية؟ وهل فُتح نقاش جدي داخل هذه الملتقيات والندوات حول أزمة الإجهاد المائي وإستنزاف الفرشات الجوفية وأثرها على الإستثمار؟ فقد أفلس عدد من المهاجرين المستثمرين في القطاع الفلاحي نتيجة غياب معطيات دقيقة حول موارد الماء، والبنيات التحتية الضرورية.. من أجل الإستثمار ،ما يكشف عن قصور في التخطيط والتوجيه المؤسساتي.
وتزداد هذه التساؤلات حدة إذا ما استحضرت مضامين الخطاب الملكي السامي لسنة 2022، الذي أشار فيه جلالة الملك محمد السادس إلى شكايات أفراد الجالية من العراقيل وعدم المواكبة، وأكد ضرورة توفير الظروف والمؤسسات الكفيلة بتمكينهم من تقديم الأفضل لخدمة الوطن. ورغم وضوح هذا التوجيه، تشير المؤشرات الميدانية إلى أن كثيرا من الممارسات البيروقراطية والعقليات القديمة ما زالت على حالها، وأن ثقافة الإصغاء تظل محدودة، في فعاليات موسمية تعيد إنتاج نفسها كل عام.
ولكي يكتسب عيد المهاجر معنى حقيقيا، لا بد أن يتحول من مناسبة احتفالية إلى منصة دائمة لتقييم السياسات، والإستماع لإنشغالات الجالية، وإتخاذ قرارات عملية قابلة للقياس. فمغاربة العالم ينتظرون اعترافا حقيقيا بمكانتهم، ليس عبر التكريمات ، بل من خلال تبسيط المساطر، ورفع العراقيل، وتحقيق العدالة في التعامل، وإشراكهم في قضايا وطنهم كشركاء فاعلين، لا كزائرين موسميين و مصدر للعملة الصعبة.