حطاب الساعيد
لم تعد الانتخابات في المغرب موعدا ديمقراطيا بقدر ما أصبحت موسما لتلميع وجوه شاخت على كراسي المسؤولية ولم تنتج سوى الفقر والتهميش. واليوم وبينما أصدر رئيس النيابة العامة تعليماته الصارمة إلى الوكلاء العامين ووكلاء الملك بضرورة شد الخناق على المتورطين في الفساد وتبديد المال العام، يحق للمغاربة أن يتساءلوا: هل سنرى وجوها جديدة تعكس طموح الوطن، أم أن الوجوه القديمة ستعود بربطة عنق جديدة وابتسامة مزيفة؟
الجواب للأسف ليس معقدا، فالأحزاب السياسية لم تتعب نفسها في البحث عن كفاءات أو طاقات شبابية بل ما زالت أسيرة “بارونات الانتخابات” الذين يملكون المال والنفوذ وشبكات الزبونية، وحتى لو تحرك القضاء فالتجربة علمتنا أن الملفات إما تتأخر في المحاكم أو يتم إفراغها من مضمونها بحيل قانونية، لينتهي الأمر بعودة المفسد نفسه لكن بشعار “التغيير من الداخل”.
والأدهى من ذلك أن بعض هؤلاء السياسيين الذين التهموا المال العام وصاروا حديث تقارير المجالس الرقابية يجدون في كل استحقاق انتخابي فرصة لغسل تاريخهم الأسود بوسائل بسيطة: قفة رمضان، ووليمة انتخابية، ووعد كاذب ببناء قنطرة أو مستوصف. هكذا يتحول المتهم بالفساد إلى “منقذ الفقراء”، بينما الضحية الحقيقي هو المواطن الذي يلدغ من نفس الجحر كل خمس سنوات.
خطابات الملك كانت واضحة وصريحة حين أكد أن “الفساد عدو التنمية”، وأن المغرب لا يمكن أن يسير بسرعتين: نخبة غنية مرفهة وعموم شعب يجر ذيول الفقر والبطالة، لكن بين الخطاب الملكي والواقع السياسي مسافة طويلة يملؤها مسؤولون لا يهمهم سوى إعادة تدوير أنفسهم في كل موسم انتخابي، وكأن هذه البلاد عقيمة لا تنجب غيرهم.
فهل تنجح تعليمات رئيس النيابة العامة في إحداث زلزال انتخابي يطيح بالفاسدين؟ أم أن المغاربة سيستيقظون يوم الاقتراع ليجدوا نفس الوجوه التي باعوهم بها الأحلام منذ عقود؟