محسن خيير
تُقام في جهة بني ملال–خنيفرة مهرجانات لا تُعد ولا تُحصى: من فنون الأطلس بأزيلال، والمهرجان الوطني لعبيدات الرما بخريبكة، والأيام الثقافية والفنية والرياضية ببني ملال، ومهرجان “النون” الدولي للمسرح بالفقيه بن صالح، وصولاً إلى التبوريدة التي تصير موسماً مقدساً للفرجة و غيرها العديد من المهرجانات و المهرجانات فقط اختلاف في التسميات. و ملايين الدراهم تُصرف في سبيل أهازيج الفرح، بينما المؤشرات التنموية بالجهة تكشف واقعاً يسير في اتجاه آخر، أشبه بمغرب بسرعتين: مغرب الرباط وطنجة والدار البيضاء الذي يركض نحو التحديث، ومغرب بني ملال–خنيفرة الذي يلهث خلف ركب متعثر.
في سوق الشغل، أظهرت معطيات الفصل الثاني من سنة 2025 أن الجهة سجلت أدنى معدل نشاط اقتصادي على المستوى الوطني بـ 39.7% فقط، مقارنة بمعدل وطني بلغ 43.4%، في حين تجاوزت جهات مثل طنجة–تطوان–الحسيمة 47% وجهات الجنوب 46%. أما معدل البطالة فاستقر عند 12.8%، وهو رقم يواكب ضعف النشاط الاقتصادي ويكشف هشاشة المشاركة في سوق العمل.
التعليم بدوره يُظهر اتساع الفجوة، إذ لا تزال الجهة تتصدر معدلات الأمية وطنياً بنسبة 32% سنة 2024، مقابل معدل وطني بلغ 24.8%، وبفارق صارخ عن جهات كالدار البيضاء–سطات (19.6%) والرباط–سلا–القنيطرة (22.4%). هذا العجز في الرأسمال البشري يضع شباب الجهة على هامش ديناميات التطور الوطني.
أما الصحة فلا تختلف كثيراً. فالجهة كلها تعاني من خصاص في الأطر الطبية بمعدل طبيب واحد لكل 1,255 نسمة وطنيا ، لكن بني ملال–خنيفرة، بحكم بعدها الجغرافي وطبيعتها الجبلية، تعيش ضعفاً أوضح في التغطية الصحية. صحيح أنه تم تدشين 15 مركزاً صحياً جديداً بالجهة سنة 2025، غير أن الفجوة بين العرض والطلب لا تزال قائمة، خصوصاً في الجماعات القروية
وإذا كان الناتج الداخلي الخام للجهة لم يتجاوز 5.9% من الاقتصاد الوطني سنة 2021، بنصيب فردي يعادل 28,481 درهماً سنوياً أي 2,374 درهم شهريا مقابل 35,104 دراهم وطنياً، فإنها في سنة 2022 سجّلت انكماشاً اقتصادياً بلغ –4.7%، ما عمّق الإحساس بأن المنطقة تسير بسرعة أبطأ بكثير من جهات أخرى أكثر دينامية.
ورغم هذه المعطيات، تُصر المجالس المنتخبة والجهات الراعية على صرف ملايين الدراهم في مهرجانات يتوقف أثرها مع انتهاء العروض. صحيح أنها تمنح للجهة إشعاعاً فنياً وثقافياً، لكن أثرها التنموي يبقى محدوداً.
إنها باختصار مهرجانات “العكر فوق الخنونة”: فرحٌ يُغطي الجراح، لكنه لا يعالجها. أهازيج تُخدّر الوعي لحظةً، لكنها تترك الواقع على حاله: بطالة متفاقمة، تعليم متعثر، وصحة تعاني من خصاصٍ هيكلي.
المطلوب اليوم ليس إلغاء المهرجانات، بل إعادة توجيهها لتُصبح رافعة تنموية حقيقية، تُخصص جزءاً من ميزانياتها لمحاربة الأمية، دعم التكوين، وتوفير فرص شغل للشباب عبر إشراك التعاونيات المحلية، مع إدماج قوافل صحية وأنشطة تربوية.