يقين 24 – عبد الحق كلون
انطلق العرض الرسمي للفيلم المغربي الجديد «سوناتا ليلية» للمخرج عبد السلام الكلاعي في القاعات السينمائية الوطنية، وسط اهتمام كبير من الجمهور والنقاد، الذين اعتبروا العمل محطة فارقة في مسار المخرج، نظراً لجرأته الفنية وبصمته الشاعرية التي تبتعد عن الطرح الواقعي التقليدي.
الفيلم يحكي قصة شاعر شاب يعيش عزلة قاسية، يلتقي في إحدى الليالي بفتاة حزينة ويائسة، لتتحول جولاتهما الليلية إلى رحلة داخلية عاطفية تكشف خبايا الوجدان أكثر مما تعكس الواقع المادي. اختيار المخرج للمصطلح الموسيقي «السوناتا» كعنوان للفيلم لم يكن اعتباطياً، إذ يعكس بناءً درامياً متدرجاً، أقرب إلى مقطوعة موسيقية تتحرك في طبقات من الإحساس والحلم.
الكلاعي أوضح في تصريحات صحفية أنه أراد من خلال «سوناتا ليلية» الابتعاد عن أسلوبه السابق المطبوع بالواقعية الاجتماعية، لينفتح هذه المرة على فضاء شعري صوفي، يعالج الحب في صورته النقية، بعيداً عن أي إسقاطات اقتصادية أو اجتماعية مباشرة.
من الناحية التقنية، حرص المخرج على إبراز التناقضات البصرية عبر مرحلتين من التصوير، الأولى في صيف 2023 والثانية في شتاء 2024، مما خلق ثنائية ضوئية بين مشاهد ملونة زاهية وأخرى قاتمة غارقة في المطر والضباب، وهو ما منح القصة عمقاً نفسياً وبصرياً إضافياً.
النقاد رأوا في العمل تجربة غنية بالتأويلات، تجمع بين الواقعية السحرية والبعد الرومانسي الكلاسيكي. الناقد عبد الكريم واكريم اعتبر أن الفيلم مقتبس بتصرف من رواية «ليالي بيضاء» لدوستويفسكي، لكنه اكتسب هوية مغربية واضحة سواء في الصورة أو الإيقاع السردي. وأكد أن الكلاعي راهن على جمهور ذكي قادر على قراءة العمل من زوايا متعددة، خاصة أن الفيلم يترك مساحات مفتوحة للتأويل.
على مستوى الأداء، قدّم سعد موفق دور الكاتب الشاب الغارق في عزلته بإتقان لافت، فيما تألقت ندى هداوي في شخصية الفتاة الحزينة، التي جمعت بين الرقة والعمق الدرامي. أما الشخصية الثالثة، فقدمت أداء واقعياً متوازناً يعزز صراع الحب والخيال.
يُذكر أن «سوناتا ليلية» هو ثالث عمل سينمائي لعبد السلام الكلاعي، بعد مسار طويل في التلفزيون، وقد استفاد من عرضه الأول في مهرجان مراكش الدولي قبل أن يشرع في جولة دولية، ليعود أخيراً إلى القاعات المغربية حيث يلاقي تفاعلاً إيجابياً.
الفيلم، بحسب النقاد، يمثل تجربة فنية جريئة تعيد الاعتبار للسينما المغربية كفن قادر على تجاوز الكوميديا التجارية، والاقتراب من أعمال عميقة تحترم ذكاء المتفرج وتمنحه فرصة للتأمل وإعادة الاكتشاف.