أطلقت وزارة الداخلية حالة استنفار واسعة بعد توصلها بمحاضر دورات أكتوبر 2026 لعدد من المجالس الجماعية، التي كشفت عن مشاهد ارتباك وتوتر بين مكونات الأغلبية والمعارضة، واحتجاجات على ما وُصف بـ“التلاعب” في إعداد الميزانيات السنوية. وأكدت مصادر مطلعة أن تلك المحاضر تضمنت شكايات من مستشارين تحدثوا عن “فبركة” بعض البنود لإخفاء مظاهر العجز في التدبير المحلي، مع إغفال فصول أساسية تتعلق بالموارد المالية، وعلى رأسها حصص الجماعات من الضريبة على القيمة المضافة.
وتشير المعطيات نفسها إلى أن تقارير رسمية سجلت غياب الانسجام بين مشاريع الميزانيات والمقتضيات القانونية المنصوص عليها في القانون التنظيمي رقم 113.14، إضافة إلى ضعف الواقعية في التقديرات المالية، خاصة بعد رفض مستشارين مناقشة ميزانيات جديدة قبل تسوية تلك المتعلقة بالسنوات السابقة. كما رصدت المحاضر عجزاً غير مسبوق في ميزانيات بعض الجماعات، رغم إدراج فوائض تقديرية اعتبرتها المعارضة “تحايلاً” يهدف إلى تجميل الأرقام وإخفاء واقع الأزمة المالية.
ووفقاً للمصادر نفسها، فإن غياب التوازن الحقيقي بين المداخيل والنفقات وتجاهل النفقات الإجبارية ورفع التوقعات بشكل مبالغ فيه، عوامل تهدد سلامة المشاريع المالية المعروضة. كما أن التقارير الموازية التي توصلت بها الإدارة المركزية كشفت أن الارتجال وقلة الخبرة عجّلا بإخراج ميزانيات “مشوهة” في عدد من الجماعات الحضرية والقروية، خصوصاً في ضواحي المدن الكبرى وعلى محور الرباط–الدار البيضاء–الجديدة.
القانون رقم 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات يمنح سلطة الوصاية ممثلة في الولاة والعمال صلاحية مراجعة الميزانيات وإبداء الملاحظات بشأنها في أجل محدد، على ألا يتجاوز تاريخ 20 نونبر للمصادقة النهائية. وتشير التقديرات إلى أن نحو 95 في المائة من الجماعات مازالت تنتظر التأشير الرسمي لميزانياتها أو تواجه احتمال عقد دورات استثنائية جديدة لتصحيح الاختلالات.
كما تبين أن عدداً من المشاريع المالية المعروضة خلال دورات أكتوبر افتقرت للوثائق المرافقة الإلزامية، مثل بيان البرمجة الثلاثية والقوائم التركيبية للوضعية المالية، وهو ما يعد مخالفة واضحة لمقتضيات المادة 24 التي تشترط احترام القوانين وتحقيق التوازن المالي وتسجيل النفقات الإجبارية ضمن الأولويات.
حالياً، يعكف الولاة والعمال على فحص دقيق لمدى انسجام الميزانيات المحلية مع التوجهات الاقتصادية الوطنية في ظرفية دقيقة تتطلب ترشيداً في الإنفاق ورفعاً لنجاعة الاستثمارات العمومية. وقد شددت وزارة الداخلية، بحسب مصادر موثوقة، على ضرورة التعامل الصارم مع كل الخروقات أو الأخطاء الواردة في وثائق الميزانية، وتوجيه الجماعات المعنية إلى مراجعتها وفق الملاحظات المسجلة، مع التأكيد على احترام الإطار المرجعي الذي وضعته الوزارة منذ شتنبر الماضي لضبط النفقات وتوجيه الموارد نحو المشاريع ذات الأثر المباشر على المواطنين.

