نزار الصالحي
أشعل الفيديو المنسوب إلى مداولات لجنة الأخلاقيات بالمجلس الوطني للصحافة شرارة نقاش واسع داخل المهنة، بعدما أعاد طرح أسئلة حساسة حول استقلالية القرار التأديبي وشفافية مساطر التنظيم الذاتي. وفي تصريح لجريدة يقين 24، اعتبر الدكتور محمد السباعي، الإطار السابق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان و الخبير في مجال حقوق الإنسان، أن ما جرى تداوله يرقى إلى مستوى أزمة بنيوية تتجاوز واقعة معزولة لتكشف خللاً عميقاً في الطريقة التي تُدار بها الملفات المهنية داخل الهيئة.
وأوضح السباعي أن التسجيل—إذا ثبتت صحته—لا يعكس مجرد اختلاف في وجهات النظر، بل يبرز مؤشرات متقدمة على تدخل أطراف خارجية في النقاشات، وهو ما يمسّ بشكل مباشر استقلالية اللجنة وحق الصحفي في مسطرة عادلة. وأضاف أن منع الطعن، وحضور أشخاص غير ذي صفة قانونية، واللغة المهينة التي ظهرت في المقاطع، كلها عناصر تُضعف مصداقية المؤسسة وتتناقض مع روح المواثيق الدولية التي تجعل الكرامة والحياد أساساً لأخلاقيات المهنة.
واستند السباعي إلى عدد من المرجعيات الدولية، منها مبادئ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وتوصيات اليونسكو، ليؤكد أن الهيئات المهنية مطالبة باحترام حقوق الدفاع وضمان الشفافية داخل المساطر التأديبية. لكنه شدّد بالمقابل على أن النقاش حول “سرية المداولات” لا يمكن أن يُفصل عن مبدأ التبليغ المشروع عن الخروقات، كما رسخته قضية Guja v. Moldova الشهيرة، التي اعتبرت أن كشف الانحرافات داخل المؤسسات جزء من حماية المصلحة العامة، لا خرقاً للسرية.
وأشار السباعي إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وتوصيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تمنح حماية خاصة للمبلّغين عن سوء التدبير عندما تكون الخروقات ذات تأثير مؤسسي، مبرزاً أن ما ورد في الفيديو يدخل ـ من هذا المنظور ـ في باب النقاش المشروع حول شفافية المؤسسات المهنية.
وسجل أن أزمة الثقة التي خلّفتها هذه الواقعة داخل الجسم الصحفي ليست بسيطة، لأنها أعادت طرح سؤال جوهري حول قدرة التنظيم الذاتي على حماية الصحفي من أي تأثير أو ضغط، سواء أتى من السلطة أو من داخل المؤسسات التي يُفترض أن تحميه. واعتبر أن القانون المغربي يوفر حماية واضحة للصحفي من العقوبات الحاطة بالكرامة، لكن هذه الحماية تبقى منقوصة إذا كانت المؤسسة المهنية نفسها قد تتحول إلى مصدر انتهاك لحقوقه.
ودعا السباعي، في تصريحه لجريدة يقين 24، إلى فتح تحقيق مستقل وشفاف يُحدد المسؤوليات ويعيد بناء الثقة المفقودة، مؤكداً أن تجاوز هذه الأزمة لا يكون عبر البلاغات العامة، بل عبر إصلاحات عميقة تمسّ بنية اللجان التأديبية، معايير اختيار أعضائها، وآليات مراقبة قراراتها.
وختم بالإشارة إلى أن السؤال الحقيقي اليوم ليس ما إذا كان نشر الفيديو مبرراً أم مخالفاً، بل ما إذا كان التنظيم الذاتي للصحافة في المغرب لا يزال قادراً على أداء دوره التاريخي في حماية أخلاقيات المهنة، أم أن المرحلة تستدعي مراجعة شاملة تُعيد الاعتبار لاستقلال القرار التأديبي والكرامة المهنية للصحفيين.

