أشرف بن جيلالي
في مشهد يجسد الفجوة الصارخة بين النصوص القانونية وتطبيقها، تواصل جماعة مديونة تسجيل واحدة من أكثر الفضائح إثارة للاستياء، بعدما ظل المستشار الجماعي “ه.ع” متمسكا بمقعده رغم صدور حكم قضائي نهائي يدينه بجريمة السرقة، في مفارقة تطرح علامات استفهام كبيرة حول مدى جدية محاربة الفساد في المؤسسات المحلية. وبحسب الوثائق القضائية، فقد مر ملف المستشار بجميع درجات التقاضي، حيث أُدين ابتدائيًا واستئنافيًا، قبل أن ترفض محكمة النقض بتاريخ 13 أكتوبر 2021 طلب الطعن الذي تقدم به، في الملف عدد 19873/6/9/2019، ما يجعل الحكم نهائيا وغير قابل لأي تأويل أو مراجعة قانونية. ورغم ذلك، لا يزال المعني بالأمر يشغل منصبه بكل أريحية، وكأن شيئًا لم يكن.
المثير في الأمر أن المادة 64 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات واضحة بشكل لا يقبل اللبس، حيث تنص على العزل الفوري لأي عضو منتخب يصدر في حقه حكم نهائي بالإدانة في قضايا تمس النزاهة أو الشرف أو الأمانة. ومع ذلك، لم تفعل هذه المادة في حالة المستشار ما يطرح أسئلة مشروعة حول أسباب هذا التغاضي، وعن الجهة التي توفر له الحماية أو تغض الطرف عن خرق واضح للقانون. في المقابل، يواجه المواطن البسيط أقسى درجات المحاسبة على مخالفات أقل بكثير، ما يكرسي واقعا بمنطق الازدواجية والانتقائية.
ورغم الصلاحيات المخولة له قانونا لم يحرك عامل الإقليم ساكنا، بينما يواصل المجلس الجماعي أداء مهامه وكأن لا شيء يستدعي التوقف، في حين اختارت الوزارة الوصية الصمت المريب، ما يعزز الشكوك حول وجود تواطؤ ضمني أو إهمال مقصود. في خضم هذا التجاهل، ترتفع أصوات المجتمع المدني وجمعيات حقوقية تحذر من أن القضية لم تعد محلية، بل باتت اختبارا لمدى صدقية إرادة الدولة في محاربة الفساد وتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتتساءل بصوت عالٍ: هل نحن في دولة قانون أم في بلد الحصانة الانتقائية والمحسوبية؟
مواطنون غاضبون لم يخفوا استياءهم من استمرار مستشار مدان قضائيا في تدبير شؤونهم اليومية، واعتبروا ذلك إهانة لكرامة المواطن واستخفافا بالقضاء نفسه. خبراء قانونيون اعتبروا أن عدم تنفيذ العزل يمثل خرقا إداريا وقانونيا فاضحا بل ويتحول إلى جريمة سياسية مكتملة الأركان إذا ثبت وجود تواطؤ أو تستر من جهات مسؤولة. إن ما يحدث في مديونة ليس فقط مخالفة قانونية، بل ضربة مباشرة لثقة المواطن في المؤسسات، وتكريس لمعادلة خطيرة مفادها أن من يملك النفوذ ينجو، بينما يحاسب الضعفاء.
المطلوب اليوم ليس بيانات تنديد ولا وعودا عابرة، بل قرارات حازمة وفورية. عزل المستشار المدان لم يعد مطلبًا فئويًا، بل ضرورة قانونية وأخلاقية لحماية مصداقية الدولة ومؤسساتها. كما أصبح من الضروري فتح تحقيق شامل في أسباب تعطيل تنفيذ الحكم، ومساءلة كل من تواطأ أو تقاعس عن أداء واجبه. لأن المعركة ضد الفساد لا تُخاض بالشعارات بل بالفعل، والسكوت في مثل هذه الحالات لا يعني سوى إعطاء الضوء الأخضر لاستمرار العبث.
قضية المستشار المدان بالسرقة تختصر مأساة الثقة المفقودة في دولة يفترض أن يسود فيها القانون على الجميع. وإذا لم تفعل مواد القانون حين تصدر الأحكام النهائية، فما الجدوى من القضاء؟ الرسالة واضحة: من ارتكب جرما وثبتت إدانته، يجب أن يعزل، مهما كان موقعه. أما التغاضي، فلن ينتج سوى مزيد من الشك والاحتقان والسقوط الأخلاقي للمؤسسات