بني ملال – محسن خيير
شهد المؤتمر الإقليمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ببني ملال، المنعقد اليوم الجمعة تحت شعار: “تخليق الممارسة السياسية مدخل أساس لتنمية مجالية مستدامة”، أحداثًا غير مسبوقة، هزّت البيت الداخلي لـ”حزب الوردة” بالجهة، وأطلقت موجة من الاحتجاجات والاستقالات، أبرزها تلك الصادرة عن فرع الحزب بحد بوموسى.
ففي الوقت الذي كان فيه مناضلو الحزب ينتظرون محطة تنظيمية ديمقراطية لتجديد النخب وضخ دماء جديدة في الهياكل الإقليمية والجهوية، فوجئ الجميع بما اعتُبر انقلابًا صريحًا على مبادئ الديمقراطية الداخلية، بعدما تم “تعيين” فاضل براس كاتبًا إقليميًا، في غياب تام لأي منافسة أو فتح باب الترشيحات، وهو ما صرح به حتى الكاتب الأول إدريس لشكر علنًا خلال المؤتمر، معتبرًا أن “اقتراحه لاسمين لتولي القيادة هو من باب الحرص على الانسجام”.
لكن هذا “الحرص” قُرئ من طرف القواعد الحزبية والمناضلين بجهة بني ملال خنيفرة، وخصوصًا في إقليم الفقيه بن صالح، كإجراء يُجهز على آخر ما تبقى من الممارسة الديمقراطية داخل الحزب. وقد كانت استقالة جماعية لفرع حد بوموسى أقوى تعبير عن هذا الرفض، إذ عبر المناضلون عن سخطهم وامتعاضهم مما وصفوه بـ”تزكية فوقية لا تحترم إرادة القواعد ولا تعكس التقاليد النضالية للحزب”.
ويتساءل كثيرون في الجهة:
“ما جدوى مؤتمرات شكلية ولقاءات تنظيمية إذا كانت القرارات تُتخذ مسبقًا في الكواليس؟”
“هل تحوّل الاتحاد الاشتراكي من حزب نضالي إلى هيكل إداري تمارس فيه الزعامات سلطتها خارج المؤسسات؟”
هذه الأسئلة الحارقة أعادت إلى الواجهة النقاش القديم الجديد حول أزمة الوساطة الحزبية، وغياب الشفافية داخل التنظيمات السياسية، خاصة تلك التي ارتبط اسمها تاريخيًا بالدفاع عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ويبدو أن ما جرى ببني ملال ليس مجرد زوبعة عابرة، بل مؤشر على تصدع داخلي أعمق، ينذر بانشقاقات واحتجاجات متتالية إذا ما تم الإصرار على هذا النهج. فالمناضلون يرون أن الحزب الذي طالما ندد بأساليب “الأحزاب الإدارية”، بات اليوم يمارس نفس الممارسات التي كان يرفضها، بل ويعيد إنتاجها بنسخة حزبية مغلقة، تقوم على “الولاءات” بدل “الكفاءات”، وعلى “الترضيات” بدل الاختيار الديمقراطي الحر.
وفي ظل هذا الوضع المحتقن، تتجه الأنظار نحو القيادة الوطنية للحزب: هل ستفتح تحقيقًا نزيهًا وتحاور القواعد؟ أم أنها ستتجاهل أصوات الغضب، وتواصل سياسة “التوافقات الفوقية” التي قد تعصف بوحدة الحزب في الجهة، وربما على الصعيد الوطني؟
ما حدث ببني ملال ليس مجرد خلاف تنظيمي، بل أزمة أخلاقية وتنظيمية تهدد بتقويض ما تبقى من رصيد حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي يبدو أنه فقد بوصلته النضالية، واختار السير في طريق لا يشبه تاريخه ولا تضحيات مناضليه.