أحمد زعيم
تشهد المملكة المغربية، في الآونة الأخيرة، حملات ميدانية مكثفة تهدف إلى تحرير الملك العمومي من مختلف أشكال الإستغلال غير القانوني، في إطار رؤية وطنية شاملة تروم إعادة هيكلة المجال الحضري، والقضاء على العشوائيات، وهدم المباني الآيلة للسقوط، وترحيل المختلين عقليا والمهاجرين غير النظاميين من المدن الكبرى نحو أخرى أقل كثافة سكانية. وتندرج هذه التدخلات ضمن الإستعدادات التي تباشرها المملكة لإحتضان تظاهرات رياضية عالمية مرتقبة، في مقدمتها كأس العالم 2030.
ورغم الأهداف النبيلة لهذه المبادرات، إلا أن عددا من المواطنين والمتتبعين عبروا عن انتقاداتهم لما أسموه بـ”الترحيل الصامت”، محذرين من نقل الإشكال بدل إيجاد حلول جذرية له، خاصة في ظل تزايد مظاهر التشرد والتسول والإضطرابات النفسية في بعض المدن الصغرى، ما أضحى يمثل تهديدا وعبئا متزايدا على الساكنة والسلطات المحلية.
وفي هذا السياق، أطلقت السلطات المحلية بمدينة الفقيه بن صالح حملة لإزالة الشبابيك الحديدية المثبتة على واجهات بعض المنازل، بإعتبارها احتلالا للملك العمومي وتشويها للمنظر العام، وهو ما يندرج ضمن جهود تأهيل الفضاءات الحضرية وتحسين صورة المدينة.
لكن انطلاق الحملة من بلوك واحد فقط داخل حي الزهور أثار موجة من الإستياء والإستغراب في أوساط الساكنة، التي سارعت إلى توجيه عريضة رسمية إلى السيد عامل الإقليم، عبرت فيها عن دعمها لمجهودات السلطة الإقليمية في مجال التواصل والتنمية، لكنها نددت بما وصفته بـ”الانتقائية” في تطبيق القرار، مطالبة بتعميم الحملة على جميع أحياء المدينة دون استثناء.
وفي تصريح لأحد سكان الحي، قال:
“نحن مع تحرير الملك العمومي، ومع جمالية المدينة، لكننا ضد الإنتقائية… الأغلبية الساحقة قامت بتركيب الشبابيك الحديدية خوفا من الكلاب الضالة والمتشردين، خاصة ليلا، ومع ذلك استجبنا لمذكرة السلطة. المطلوب الآن أن تشمل الحملة جميع الأحياء دون استثناء، وألا تقتصر على بلوك واحد فقط. كما نطالب بإخلاء المبنى المهجور قرب حي الزهور (كومابرا) الذي تحول إلى مأوى للمتشردين والمهاجرين، ويشكل تهديدا يوميا على الساكنة.”
وشددت الساكنة من خلال العريضة والتصريحات المرافقة لها، على أن الهاجس الأمني الليلي كان السبب الرئيس وراء تركيب الشبابيك الحديدية، مشيرة إلى أن مواجهة ظواهر مثل الكلاب الضالة، والتشرد، والهشاشة الإجتماعية، تُعد أولوية موازية لتحرير الملك العمومي.
كما دعت الساكنة إلى إجراءات شاملة، عادلة، ومتوازنة في تنزيل القرارات، بعيدا عن أي انتقائية أو تمييز بين الأحياء والمنازل، بما يعزز ثقة المواطن في مؤسسات الدولة ويكرس العدالة المجالية في تدبير الشأن المحلي.
وتبقى مثل هذه المبادرات الشعبية والتعبيرات المواطنة مؤشرا على وعي مجتمعي متنام، وعلى استعداد فئات واسعة من المواطنين للإنخراط الإيجابي في تجويد الفضاء العام، شريطة أن تتم مواكبتها بمقاربة إنصافية وشفافة من طرف السلطات.