حليمة صومعي
في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، تشهد مناطق عديدة في المغرب، وعلى رأسها جهتا بني ملال-خنيفرة وسوس ماسة، موجات حرارة متكررة ومتزايدة الحدة، ما يضع صحة السكان، خاصة الفئات الهشة، في مواجهة مباشرة مع مخاطر بيئية متفاقمة. استجابة لهذا التحدي المناخي، أطلقت الجمعية الدولية جيريس (Geres) بشراكة مع جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بالمغرب (AESVT) وتعاونية النجاعة الطاقية بطاطا (CAT)، حملة تحسيسية رقمية غير مسبوقة من 3 إلى 19 يونيو 2025، في إطار مشروعها “فريش – FRESH”.
جاءت هذه الحملة الرقمية كحل مبتكر لمجابهة أثر الحرارة داخل البيوت المغربية، واستهدفت ساكنة مدينتي طاطا وبني ملال، عبر محتوى سمعي بصري موجه ومبسط بلغة الدارجة المغربية، مستخدمًا تقنية “موشن ديزاين”. احتوت الفيديوهات الثلاث، التي نُشرت على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيق واتساب، على حلقات مترابطة ركزت على ثلاث محاور: التأثيرات الصحية لموجات الحرارة، وسائل تبريد منزلية منخفضة الكلفة، وتقنيات فعالة للعزل الحراري. وقد أسفرت هذه المقاربة المباشرة عن تحسيس 1470 شخصًا على الأقل، موزعين بين طاطا (720) وبني ملال (750)، بطرق وقائية فعالة للتخفيف من آثار الحرارة المفرطة.
تنبع أهمية هذه الحملة من سياق مقلق؛ إذ تشير التوقعات إلى احتمال تسجيل ما يصل إلى 60 يومًا من موجات الحرارة سنويًا في المغرب بحلول عام 2050، وهو ما تؤكده فاجعة يوليوز 2024 ببني ملال، حيث توفي 21 شخصًا في أقل من 24 ساعة بسبب موجة حر قاتلة. وقد سلطت هذه المأساة الضوء على الحاجة الملحة لتعميم الوعي المجتمعي وتطوير حلول سكنية متكيفة مع المناخ.
مشروع “فريش”، الممول من الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) ومؤسسة الإسكان للطبقة الأدنى (FSLI)، يضع السكن في صلب التكيف المناخي، من خلال ثلاث ركائز مترابطة: تجريب حلول عزل حراري اقتصادية، تكوين مهنيين محليين في البناء الطاقي، وتحفيز الفاعلين المحليين على اعتماد استراتيجيات مستدامة. ويشكل مركز الإرشاد الطاقي بطاطا، الذي تديره تعاونية CAT، أحد النماذج العملية لدمج التوعية بالطاقة والمناخ في النسيج المحلي.
بفضل التزامها البيئي المستمر منذ 1976، تواصل جمعية جيريس، إلى جانب شركائها المغاربة، العمل من أجل انتقال طاقي عادل ومستدام، يعزز قدرة الأسر الهشة على مواجهة تحديات الاحتباس الحراري. ومع استمرار مشروع “فريش” حتى سنة 2027، تتجه الجهود نحو توسيع نطاق التأثير عبر ورشات حضورية ولقاءات محلية، لضمان أن يصبح التكيف المناخي ثقافة جماعية وسلوكًا يوميًا.
في النهاية، تتجاوز هذه المبادرة كونها حملة رقمية عابرة؛ إنها دعوة عاجلة لإعادة التفكير في علاقتنا بالسكن والمناخ. ففي زمن يتحول فيه الطقس إلى تهديد وجودي، تصبح المعرفة والوعي، والتصميم الجماعي على التحرك، أدوات بقاء لا غنى عنها