.
بقلم: عزيز أخواض
في زمن باتت فيه الأحلام تختنق تحت وطأة الإحباط، تخرج بعض القصص من الظل كإشراقات أمل حقيقية، لا تطلب الأضواء، بل تصنعها. من هذه النماذج الراقية، قصة الشاب المغربي العصامي حسن مغيث، الذي استطاع أن يختصر المسافات بين المحلية والعالمية، ويرتقي من مضمار السباقات إلى صدارة الانتقال الطاقي الدولي.
ابن مدينة خريبكة، لم ينتظر مبادرات الدعم ولا أوهام الحظ، بل راهن على الانضباط والعلم والعمل. فبعد مسيرة رياضية ناجحة في سباقات 1500 و5000 متر، قرر أن يحوّل روح التحدي من الحلبة إلى مجال ريادة الأعمال، فأسس شركة “إنرجي فيزيون”، التي تحولت في أقل من عقد إلى واحدة من العلامات البارزة في قطاع الطاقات المتجددة، حاضرة في بلدان وازنة مثل بلجيكا، ألمانيا، فرنسا، الصين، إيطاليا، والمغرب.
لكن القفزة النوعية لم تتوقف عند الامتداد الجغرافي، بل تمثلت في استدعائه لتمثيل المغرب في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس – يناير 2025 – ضمن فعاليات مخصصة للطاقة النظيفة. هناك، لم يكن مجرد مشارك، بل فاعلًا مغربيًا حضر جلسات رفيعة، وأجرى لقاءات مباشرة مع رؤساء دول وصناع قرار، مما جعله يحظى باهتمام كبريات الهيئات الاقتصادية، وليُستقبل لاحقًا من طرف قادة أوروبيين كرائد أعمال واعد يمثل جيلًا جديدًا من الكفاءات المغربية ذات البعد الكوني.
هذا التقدير الدولي لم يكن نتيجة صدفة، بل ثمرة تراكم مهني مبني على رؤية واضحة وشراكات استراتيجية، أبرزها مشاركته ضمن وفد اقتصادي بلجيكي رسمي إلى الصين، برئاسة الأميرة أستريد، إضافة إلى لقاءات متقدمة في بريطانيا تناولت آفاق الابتكار الطاقي والنجاعة البيئية.
ورغم ما يرافق النجاح أحيانًا من محاولات تشويش، تعرض مغيث مؤخرًا لحملة تشهير منظمة عبر صفحات فايسبوكية مشبوهة، استهدفت سمعته وشركته. غير أنه اختار التعامل برصانة، مفوضًا الأمر إلى القضاء، عبر تكليف مكتب محاماة دولي لمتابعة القضية قانونيًا، ما يعكس وعيه العميق بأن من يسير في طريق الكبار لا يرد على الصغائر، بل يثق في المؤسسات.
في خريبكة، تتواصل المشاريع برؤية تستحضر البعد المحلي كمنطلق للتمكين. فقد أطلقت شركته مؤخرًا مشروعًا ضخمًا بجماعة أولاد كواوش، يتمثل في بناء محطتين للطاقة الشمسية بقدرة إنتاج تصل إلى 400 ميغاواط، بتمويل يفوق 100 مليون دولار من مؤسسة التمويل الدولية، ما يرسخ موقع خريبكة كفاعل محوري في خريطة الانتقال الطاقي الوطني.
المشاريع لا تقف عند الطاقة. إذ تستعد مجموعة مغيث، في خطوة نوعية، لإطلاق فندق ضخم بمواصفات دولية ومعايير ضيافة عالمية، في قلب مدينة خريبكة، يُرتقب أن يشكل تحولًا حقيقيًا في البنية السياحية والخدماتية للمدينة، وأن يُسهم في جذب استثمارات جديدة وخلق فرص شغل، بما يعزز جاذبية خريبكة كمجال حضري صاعد يزاوج بين التقاليد والإمكانات الحديثة.
الأثر المحلي تجسد أيضًا في مبادرة نوعية تمثلت في توقيع شراكة مجتمعية بين “إنرجي فيزيون” ونادي أولمبيك خريبكة، لرعاية الفريق الأول لمدة ثلاث سنوات، في تعبير صريح عن التزام مغيث بمسؤوليته الاجتماعية، وحرصه على دعم الرياضة والشباب في مدينته الأم.
وفي الجنوب المغربي، وتحديدًا بجهة الداخلة – وادي الذهب، يخطو مغيث خطوة استباقية ضمن مشروع لإحداث حقول إنتاج طاقي بشراكة مع السلطات المحلية، لتتكامل البنية الطاقية مع الخدمات، في تناغم مع روح النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية.
كل هذه المعطيات ترسم ملامح شخصية شابة استثنائية، ترى في النجاح فرصة للعطاء لا للتباهي، وتؤمن أن الانتماء إلى الوطن لا يعني الانغلاق، بل الانفتاح بذكاء على العالم. مغيث هو مثال لجيل جديد لا ينتظر الاعتراف، بل يصنعه. لا يرضى أن يكون ضحية للظروف، بل يتحول إلى صانع لها.
ورغم الضجيج العرضي، يواصل حسن مغيث طريقه بثقة، تاركًا للأرقام أن تتكلم، وللإنجازات أن ترد. أما الحقيقة، فتعرف طريقها إلى النور، من خريبكة… إلى العالم.