يقين 24/ حليمة صومعي
منذ تحرير أسعار المحروقات سنة 2015، تحوّل هذا القرار الذي قُدِّم كإصلاح اقتصادي إلى عبء ثقيل على كاهل المواطنين، في مقابل أرباح خيالية حصدتها الشركات العاملة في القطاع، وسط غياب تام لأي رقابة فعالة أو تدخل حكومي يعيد التوازن بين منطق السوق وحق المواطن في العيش الكريم.
تقارير اقتصادية حديثة كشفت أن أرباح شركات المحروقات تجاوزت 90 مليار درهم خلال عشر سنوات فقط، رقم صادم يختصر معاناة المغاربة مع الغلاء المتواصل. فأسعار البنزين والغازوال بلغت خلال أكتوبر الحالي 12.7 و10.7 دراهم على التوالي، رغم أن التكلفة الفعلية بعد احتساب الضرائب لا تتعدى 9 إلى 9.9 دراهم، ما يعني أن المستهلك يؤدي درهمًا ونصف إلى درهمين إضافيين عن كل لتر كأرباح صافية للشركات.
هذه الفوارق لا تفسَّر فقط بتقلبات السوق الدولية، بل بغياب المنافسة الحقيقية وضعف المراقبة، ما جعل القطاع يتحول إلى فضاء مغلق تتحكم فيه حفنة من الفاعلين الكبار. المواطن يدفع الثمن يوميًا، سواء في كلفة النقل أو أسعار السلع والخدمات التي ترتفع تباعًا مع كل زيادة في المحروقات.
الحكومة من جهتها اكتفت بالصمت، رغم الوعود السابقة بأن تحرير الأسعار سيسمح بتوجيه الدعم نحو قطاعات اجتماعية كالتعليم والصحة. غير أن الواقع يُظهر العكس: لا دعم تحقق، ولا تحسن طرأ، فيما ازدادت الفوارق اتساعًا والقدرة الشرائية تآكلًا.
إن استمرار هذا المشهد لم يعد مجرد مسألة اقتصادية، بل قضية عدالة اجتماعية تمسّ صميم الثقة بين المواطن والدولة. فحين تُترك الأسعار بلا ضوابط، وتتكدس الأرباح في جهة واحدة، يفقد الناس الإحساس بالمساواة والإنصاف. المطلوب اليوم رؤية جديدة تُعيد تنظيم سوق المحروقات على أسس الشفافية والمسؤولية، عبر تخفيض العبء الضريبي، وضبط هوامش الربح، وإحياء التكرير الوطني لاستعادة التوازن المفقود. فاستقرار البلاد يبدأ من حماية القدرة الشرائية، والاقتصاد لا يستقيم ما دام المواطن أول الخاسرين في معادلة الربح.

