✍️ يقين24
في قرار يُعدّ سابقة في تاريخ العدالة بالمغرب، وجهت المحكمة الدستورية صفعة قوية لمشروع قانون المسطرة المدنية الجديد، بعد أن قضت بعدم دستورية عدد من المواد التي كانت تمنح صلاحيات استثنائية لوزير العدل والنيابة العامة، وتفتح المجال لخرق مبادئ أساسية من بينها الأمن القضائي، واستقلال السلطة القضائية، وحقوق الدفاع، وشفافية التبليغ.
القرار، الصادر تحت رقم 255/25 م.د، جاء جواباً على إحالة من رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، للتحقق من مدى تطابق مقتضيات مشروع القانون مع أحكام الدستور.
ضرب لمبدأ الأمن القضائي
أولى الضربات وجهتها المحكمة للمادة 17 من القانون، التي كانت تتيح للنيابة العامة صلاحية استثنائية لطلب بطلان أي مقرر قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به إذا خالف النظام العام، دون تحديد دقيق للحالات التي تسمح بذلك. واعتبرت المحكمة أن هذا الغموض يمنح سلطة تقديرية واسعة وغير مبررة للنيابة العامة، في تجاوز خطير لمبدأ الأمن القضائي ولقاعدة حجية الأحكام النهائية.
تبليغ مبني على “الشك” و”التخمين”
في صفعة أخرى، أسقطت المحكمة الدستورية المقطع الأخير من الفقرة الرابعة للمادة 84، التي كانت تسمح بتسليم الاستدعاءات القضائية إلى أي شخص “يبدو” أنه قريب أو ساكن مع المعني بالتبليغ، دون يقين أو تحقق قانوني. واعتبرت المحكمة أن هذه الصيغة تفتح الباب للخرق الجسيم لحقوق الدفاع وتنسف قواعد التبليغ القضائي المعمول بها.
المحكمة تُفرمِل تغول وزير العدل
ومن أبرز النقاط التي أثارت الجدل، المواد 408 و410، التي كانت تمنح لوزير العدل إمكانية الطعن في مقررات قضائية بحجة “تجاوز القضاة لاختصاصاتهم” أو “التشكك المشروع”. المحكمة الدستورية أوقفت هذا الامتياز، معتبرة أن الوزير عضو في السلطة التنفيذية، ولا يجوز له التدخل في عمل السلطة القضائية المستقلة بموجب الدستور.
وأكدت أن طلبات من هذا النوع يجب أن تظل حصراً بيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيساً للنيابة العامة ومن صميم الجسم القضائي، وذلك صوناً لمبدأ فصل السلط.
جلسات عن بعد بدون ضمانات واضحة
كما أبطلت المحكمة الفقرة الأخيرة من المادة 90 التي كانت تجيز عقد جلسات عن بعد دون تأطير قانوني دقيق أو تحديد للضمانات الكافية، معتبرة أن ذلك يمس بمبادئ المحاكمة العادلة.
غياب تعليل القرارات… ضرب لحقوق الدفاع
وأوقفت المحكمة أيضا العمل بالفقرتين الأخيرتين من المادتين 107 و364، اللتين كانتا تمنعان الأطراف في الدعوى من التعقيب على ملاحظات المفوض الملكي، رغم إمكانية حصولهم على نسخة منها. ووصفت المحكمة هذا الوضع بأنه يضرب تكافؤ وسائل الدفاع ويمس بحقوق المتقاضين.
أخطاء إحالة وتناقضات تشريعية
القرار الدستوري أماط اللثام عن عدد من الأخطاء في الإحالة بين المواد، كما في المادة 288، التي تحيل خطأً على مادة لا علاقة لها بالوصايا، في خرق لمبدأ وضوح القاعدة القانونية. كما انتقدت المحكمة الفقرة الثانية من المادة 339 التي لا تلزم المحكمة بتعليل قرارها عند قبول طلب التجريح، وهو ما يُفقد الأطراف حقهم في الفهم والمساءلة.
نظام معلوماتي بقبضة الحكومة؟
أخطر ما تضمنه قرار المحكمة هو إسقاط المادتين 624 و628، اللتين منحتا السلطة الحكومية المكلفة بالعدل الحق في تدبير النظام المعلوماتي الخاص بتوزيع القضايا وتعيين القضاة، وهو ما اعتبرته المحكمة تدخلاً مباشراً في صميم استقلالية السلطة القضائية، التي من المفروض أن تتولى لوحدها الإشراف على هذا النظام الحساس.
بهذا القرار، تكون المحكمة الدستورية قد أعادت ترتيب موازين السلطة في قلب المنظومة القضائية، رافعة “الكارت الأحمر” في وجه محاولات تركيز النفوذ بيد السلطة التنفيذية، ومؤكدة أن لا أحد فوق الدستور، وأن استقلال القضاء ليس شعاراً بل ضمانة أساسية لدولة القانون