يقين 24/ حليمة صومعي
جاء الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية الحادية عشرة، ليشكل محطة مفصلية في مسار ترسيخ الديمقراطية التشاركية بالمغرب. فقد دعا جلالته بوضوح إلى إعلام يضع المواطن في صلب الاهتمام، ويكون شريكًا أساسيًا في بناء الوعي الجماعي ومواكبة التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها الوطن.
الإعلام، كما أراده جلالة الملك، لم يعد مجرد ناقل للخبر أو وسيط للمعلومة، بل أصبح فاعلًا في صناعة الرأي العام المسؤول، وفي تفسير السياسات العمومية وتبسيطها للمواطنين، حتى يصبحوا أكثر فهماً وارتباطًا بمسار الإصلاح والتنمية. إنها رؤية تؤسس لإعلام يشرح ولا يكتفي بالتعليق، يوجه ولا يهيّج، يساهم في التنوير لا في التشويش.
الخطاب الملكي أضاء بعمق على دور الإعلام العمومي، الذي ينبغي أن يتحول إلى مدرسة في المواطنة، وأداة لتقوية اللحمة الوطنية وتعزيز الثقة في المؤسسات. ولتحقيق ذلك، شدد جلالته ضمنيًا على ضرورة تأهيل الكفاءات الإعلامية وتجويد المحتوى، مع مواكبة التطورات الرقمية، دون التفريط في المهنية والموضوعية.
في زمن تتسارع فيه وتيرة الأخبار وتغزو الشائعات فضاءات التواصل الاجتماعي، أضحى لزامًا على الإعلام الوطني أن يتحصن بالتحقق والدقة، وأن يتصدى للمغالطات التي تضعف ثقة المواطن وتربك الرأي العام. فالمعلومة الخاطئة ليست مجرد خطأ تقني، بل قد تتحول إلى تهديد لقيم الديمقراطية والاستقرار.
ولعلّ الإعلام الجهوي والمحلي يمثل اليوم الواجهة الأقرب إلى نبض المواطن، لأنه الأقدر على نقل هموم الناس وقضاياهم اليومية، وعلى ربط الفعل التنموي بالمواطن في مختلف ربوع المملكة. ومن هنا تأتي أهمية دعوة جلالة الملك إلى تعزيز دوره في ظل ورش الجهوية المتقدمة والتنمية المستدامة.
لقد رسم الخطاب الملكي معالم إعلام وطني جديد: إعلام يُصغي بقدر ما يُبصّر، يُواكب بقدر ما يُسائل، ويسعى إلى خدمة الصالح العام قبل أي اعتبار آخر. إعلام يجعل من الحقيقة منطلقه، ومن المواطن غايته، ومن المصلحة الوطنية أفقه.
إنها دعوة ملكية لتدشين عهد جديد من المسؤولية الإعلامية، تُبنى فيه الثقة بين الدولة والمجتمع عبر إعلامٍ ناضجٍ، متزنٍ، ومسؤول، يكرّس ثقافة النقاش الهادئ ويغذي روح الانتماء والمشاركة.
فالإعلام كما أراده جلالة الملك، ليس مرآة للواقع فحسب، بل قوة تغيير وبناء، وركيزة أساسية في مغرب الديمقراطية والكرامة والتنمية.

