في انتقاد لاذع لمضامين مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، حذّر محمد الوافي، المنسق الوطني للجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال التابعة للاتحاد المغربي للشغل، من أن النص المعروض لا يحقق استقلالية حقيقية للمجلس، بل يعيد إنتاج منطق التبعية الإدارية للحكومة، وهو ما يفرغ المؤسسة من جوهرها كإطار مهني مستقل.
وأوضح الوافي، خلال مداخلة له في يوم دراسي نظمه مجلس المستشارين الاثنين، أن غياب الحسم في الطبيعة القانونية للمجلس – هل هو مؤسسة عمومية أم هيئة تحت الوصاية – يمثل ثغرة جوهرية تُضعف شرعيته وتفتح الباب أمام التأويلات المتناقضة، مؤكداً أن الاستقلال المؤسساتي ليس ترفاً بل شرطاً لبناء الثقة بين الصحافة والمجتمع.
وقال الوافي في هذا السياق: “المجلس في صيغته الحالية لا يمكنه أن يُعيد الثقة المفقودة بين الصحافة والرأي العام، لأن الثقة تُبنى على التعددية والشفافية والاستقلال الفعلي لا الشكلي.”
وانتقد المتحدث بشدة ما اعتبره إقحاماً للمجلس في وصاية إدارية تُفرغه من وظائفه التنظيمية والأخلاقية، مشدداً على أن مسؤولية البرلمان اليوم تتجاوز مجرد مناقشة النصوص القانونية إلى صون سلطة رابعة تُعدّ ضمير المجتمع، داعياً إلى مراجعة شاملة للمشروع عبر حوار وطني مفتوح يضم النقابات والمهنيين.
وأضاف: “لسنا أمام تعديل قانوني بسيط، بل أمام معركة لإنقاذ مؤسسة يُفترض أن تكون ركيزة للديمقراطية، لا مجرد واجهة للإدارة. نريد مجلساً وطنياً قوياً، تعددياً، ومستقلاً عن كل أشكال التوجيه.”
وأكد الوافي أن موقف الجامعة الوطنية للصحافة ليس معزولاً، بل يندرج ضمن إجماع نقابي ومهني واسع يرفض المشروع بصيغته الحالية، لكونه لا يعكس روح دستور 2011 ولا ينسجم مع التوجيهات الملكية الداعية إلى تأطير الحياة العامة وتقوية المؤسسات التمثيلية.
ومن أبرز الملاحظات التي سجّلها، الإبقاء على نظام الاقتراع الفردي بدل اللائحة النقابية، وهو ما اعتبره ضرباً في العمق للتعددية النقابية والتمثيلية الديمقراطية المنصوص عليها دستورياً، متسائلاً:
“كيف نطالب النقابات بالقيام بأدوارها التأطيرية، ونحن نحرمها من المشاركة في المؤسسات المنتخبة؟ كيف نُحاسبها على ضعف الحضور ونحن نقنن للإقصاء؟”
ولم يفت الوافي أن يثير الوضعية الهشة للعاملين داخل المجلس الوطني للصحافة، مشيراً إلى حالات طرد تعسفي طالت مستخدمين بسبب انتمائهم النقابي، دون احترام لمقتضيات العدالة الاجتماعية وقانون الشغل، ومنبهاً إلى أن المادة 64 من المشروع جاءت فضفاضة وغير ضامنة للحقوق.
كما دعا إلى إقرار نظام أساسي واضح ومُلزم لموظفي المجلس يضمن الاستقرار المهني والحقوق الاجتماعية، انسجاماً مع الورش الاجتماعي الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس، مشيراً في ختام مداخلته إلى أن المشروع يفتقر إلى دباجة تحدد فلسفته وأهدافه، ما يجعله أقرب إلى نص إداري جاف منه إلى قانون تأطيري لمؤسسة مهنية يفترض أن تكون منارة للحرية والمسؤولية.

