يقين 24/ حليمة صومعي
أعاد قرار جامعة ابن طفيل بالقنيطرة تجميد شعبة علوم الإعلام والاتصال إلى الواجهة النقاش الدائر حول السياسات الجامعية في تدبير التكوينات الحديثة، بعدما صادق مجلس الجامعة في يناير الماضي على إحداث الشعبة، قبل أن يتم تعليقها بشكل مفاجئ، دون تقديم مبررات رسمية واضحة.
مصادر جامعية أكدت أن القرار الذي صدر في 23 يناير 2025 بموجب المقرر رقم 59/25، كان يُفترض أن يدخل حيز التنفيذ خلال الموسم الجامعي 2025–2026، غير أن مذكرة وزارية لاحقة صدرت بتاريخ 29 يوليوز 2025 أوقفت المشروع، ما خلق ارتباكاً واسعاً داخل الكلية المعنية وأوساط الطلبة المهتمين بالتكوين الإعلامي.
وسارع النائب البرلماني مصطفى ابراهيمي إلى مساءلة وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بشأن خلفيات هذا التجميد، داعياً إلى الكشف عن المعايير التي استندت إليها الوزارة في اتخاذ القرار، ومطالباً بإعادة إدراج الشعبة في الخريطة البيداغوجية المقبلة، باعتبارها لبنة أساسية لتأهيل كفاءات شابة في مجالات الصحافة الرقمية والاتصال المؤسساتي والدبلوماسية الإعلامية.
أساتذة في الميدان عبّروا بدورهم عن امتعاضهم من تجميد المشروع، معتبرين أنه يعكس غياب رؤية استراتيجية متكاملة لتطوير التكوينات الجامعية المواكبة للتحول الرقمي. وأوضحت الدكتورة فاطمة الزهراء الريفي أن “القرار جاء ليُجهض مجهودات بُذلت على مدى شهور لإعداد مسار أكاديمي متكامل في الإعلام والاتصال، كان من شأنه أن يمنح الطلبة فرصاً حقيقية للانخراط في سوق الشغل الرقمي.”
أما الأستاذ مروان الداودي، فيرى أن “القرار لا ينعكس فقط على الجانب الأكاديمي، بل يؤثر كذلك على الدينامية الاقتصادية المحلية، إذ كان يمكن لخريجي هذه الشعبة أن يساهموا في إنعاش المقاولات الإعلامية الناشئة وإغناء المشهد الاتصالي الجهوي.”
الطلبة المتضررون عبّروا عن خيبة أملهم، مؤكدين أن إلغاء الشعبة “أفقدهم الأمل في متابعة مسارات دراسية تتماشى مع طموحاتهم.” الطالبة ليلى الصديقي أوضحت أن “الخبر كان صدمة لنا جميعاً، لأن الإعلام والاتصال يمثلان مجالاً واعداً في زمن الرقمنة، وكنا نتطلع إلى تكوين جامعي متخصص داخل المغرب بدل البحث عن بدائل خارجية.”
من جهته، يرى الأستاذ الجامعي في العلوم السياسية محمد بنسعيد أن ما وقع “يكشف عن خلل في التنسيق بين الجامعات والوزارة الوصية، ويطرح تساؤلات حول كيفية تدبير المشاريع الأكاديمية، خصوصاً تلك المرتبطة بالتكوينات الرقمية التي أصبحت مطلباً استراتيجياً وطنياً.”
ويشير خبراء الاقتصاد الرقمي إلى أن هذا النوع من التخصصات يُعتبر من ركائز الاقتصاد المعرفي الجديد، لما يوفره من فرص شغل وإبداع ومبادرة. الأستاذ كمال شرايبي اعتبر أن “تعليق مثل هذه المشاريع يضعف تنافسية المغرب في سوق الإعلام الرقمي الإقليمي، ويؤخر اندماج خريجي الجامعات في بيئة العمل المتطورة.”
الجدل مرشح لأن يمتد إلى قبة البرلمان خلال الأسابيع المقبلة، في ظل مطالبة عدد من الفاعلين الأكاديميين والسياسيين بضرورة توضيح الرؤية المستقبلية للتعليم العالي في ما يخص التكوينات الرقمية والإعلامية. كما تتصاعد الدعوات لوضع آليات تضمن استمرارية المشاريع الجامعية وعدم إخضاعها لمنطق القرارات المفاجئة، حمايةً لمصالح الطلبة وضماناً لتكافؤ الفرص.
في ظل هذا السياق، يبرز تساؤل جوهري حول مدى استعداد الجامعات المغربية لمواكبة التحولات التكنولوجية والإعلامية المتسارعة، ومدى قدرة المنظومة التعليمية على التفاعل مع حاجيات السوق الرقمي، بما يضمن تكوين جيل جديد من الإعلاميين والمبدعين القادرين على تمثيل المغرب في المشهد الاتصالي العالمي.
فالملف لا يتعلق بشعبة جامعية واحدة، بقدر ما يعكس تحدياً مؤسسياً يرتبط بضرورة بناء رؤية واضحة للتعليم العالي في زمن الرقمنة، رؤية تضع الطالب في صلب السياسات العمومية، وتمنح الجامعة المغربية دورها الحقيقي كقوة اقتراحية واستراتيجية في خدمة التنمية والإبداع.

