أثار موضوع مشروع إعادة تأهيل واجهات الشوارع والمحاور الرئيسية بمدينة كلميم نقاشًا واسعًا بين المواطنين، بعد تداول أخبار تفيد بأن جماعة كلميم خصصت مبالغ مالية ضخمة لصباغة الواجهات، وهو ما نفته الجماعة في مراسلة رسمية صادرة عن رئيسها السيد حسن الطالبي.
فقد وجّه رئيس الجماعة مراسلة إلى المدير العام لشركة العمران الجنوب تحت إشراف المدير الجهوي للشركة بكلميم، عبّر فيها عن استغرابه الشديد من إعلان الشركة عن طلب العروض رقم 43/2025 المتعلق بالمشروع المذكور، دون أي تشاور أو تنسيق مسبق مع جماعة كلميم، بالرغم من أن المشروع يندرج ضمن اتفاقية الشراكة الخاصة ببرنامج التأهيل الحضري للجماعة برسم سنتي 2025-2026.
وأشار رئيس الجماعة في رسالته إلى أن جماعة كلميم كانت قد وجهت سابقًا مراسلة رسمية بتاريخ 9 شتنبر 2025 في الموضوع نفسه، وأنها فوجئت بإقدام شركة العمران الجنوب على إطلاق المشروع بصفة انفرادية، وكأنها صاحبة المشروع، في حين أن الجماعة شريك أساسي فيه من حيث التمويل والإشراف الترابي.
وفي خطوة موازية، وجّهت الجماعة الرسالة نفسها إلى السيد والي جهة كلميم وادنون، باعتباره السلطة الوصية والمشرفة على تنفيذ الاتفاقيات المشتركة، مطالبةً بتوقيف مسطرة الصفقة إلى حين عقد اجتماع تنسيقي رسمي يضم جميع الأطراف الشريكة، قصد تحديد المساهمات المالية، وضبط الاختصاصات، وتوضيح المسؤوليات القانونية.
ويبدو من مضمون المراسلتين أن جماعة كلميم لم تكن على علم مسبق بموعد أو تفاصيل طلب العروض الذي أطلقته شركة العمران الجنوب، وهو ما يطرح تساؤلات حول مسطرة التنسيق، ودور الولاية في مراقبة احترام القانون والإشراف على المشاريع ذات الطابع المشترك بين المؤسسات العمومية والجماعات الترابية.
فبينما يرى بعض المواطنين أن الجماعة تتحمل مسؤولية مباشرة في المشروع، تُظهر الوثائق الرسمية أن شركة العمران الجنوب تصرفت لوحدها، دون أن تستكمل المسطرة القانونية لتفعيل اتفاقية الشراكة، ما يجعل اللوم الشعبي في غير محله من الناحية القانونية والإدارية.
من الناحية القانونية
ينظم القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، ومرسوم الصفقات العمومية رقم 2.22.431، العلاقة بين الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، ويؤكد على المبادئ التالية:
1. مبدأ التدبير الحر:
تنص المادة الثانية من القانون التنظيمي للجماعات على أن الجماعة تُدبّر شؤونها بكيفية ديمقراطية، ولا يمكن لأي جهة أخرى أن تنفذ مشاريع داخل ترابها إلا بتفويض قانوني أو باتفاقية مصادق عليها.
➤ وبالتالي، فإن انفراد شركة العمران الجنوب بإطلاق مشروع دون توقيع اتفاقية نهائية مع جماعة كلميم يُعدّ مخالفًا لمبدأ التدبير الحر.
2. مبدأ التعاقد والشراكة:
المادة 92 من القانون نفسه توجب عرض أي اتفاقية شراكة على المجلس الجماعي للمصادقة، وتحديد التزامات كل طرف بوضوح.
➤ أي مشروع لا يمر عبر هذه المسطرة يُعتبر خارج الإطار التعاقدي القانوني.
3. مبدأ الشفافية والمراقبة:
مرسوم الصفقات العمومية يُلزم المؤسسات العمومية بالتنسيق مع أصحاب المشاريع الأصليين قبل الإعلان عن أي صفقة.
➤ تنفيذ الصفقة دون هذا التنسيق يُفقدها المشروعية الإدارية ويعرّضها للطعن أو المراجعة.
4. دور الولاية كسلطة إشراف:
بصفتها الممثلة للسلطة المركزية، تُعتبر الولاية الجهة المسؤولة عن ضمان احترام القانون في المشاريع المشتركة، وعليها التدخل لتصحيح أي خروقات تمس الاختصاصات الجماعية.
يتضح من مجموع المعطيات أن ما حدث في مشروع تأهيل واجهات شوارع كلميم لا يُمكن اعتباره مجرد لبس إداري، بل خلل في احترام المساطر القانونية المنظمة للشراكات بين الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية.
فالقانون المغربي واضح في أن تنفيذ أي مشروع داخل تراب جماعة ما يجب أن يتم في إطار اتفاقية شراكة مصادق عليها وموقّعة من جميع الأطراف المعنية.
وبناءً على ذلك، فإن جماعة كلميم، من خلال مراسلاتها الموجهة إلى كل من شركة العمران الجنوب وولاية جهة كلميم وادنون، تكون قد قامت بواجبها القانوني في المطالبة بتوقيف الصفقة وإعادة الأمور إلى نصابها.
ويبقى على السلطات الوصية أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بضمان احترام القانون، وحماية مبدأ التدبير الحر، وتعزيز الثقة في المؤسسات المحلية.

