كشفت مصادر مطلعة أن المجالس الجهوية للحسابات أنهت إعداد تقارير رقابية شاملة، رصدت خلالها اختلالات مالية جسيمة في تدبير ميزانيات عدد من الجماعات الترابية. هذه التقارير التي امتد العمل عليها لأشهر، توصل بها قضاة الحسابات بعد إحالة من مصالح وزارة الداخلية لما يزيد عن 100 ملف، توثق تجاوزات صارخة تتعلق أساساً بعدم تحصيل مداخيل مستحقة وتبديد موارد عمومية بمليارات السنتيمات.
التقارير تشير إلى أن عدداً من الجماعات تعاني من عجز هيكلي في التمويل، ورغم ذلك لم يتم استغلال إمكاناتها المحلية بالشكل الأمثل، إذ لوحظ غياب رؤية استراتيجية لتدبير وتنمية الموارد، إلى جانب ضعف في ضبط الوعاء الضريبي وصعوبة إحصاء الملزمين بالجبايات. كما سُجل نقص حاد في الكفاءات البشرية المؤهلة لمتابعة عمليات التحصيل والمراقبة.
وتوقفت هذه التقارير على مظاهر تسيب واضحة في إعداد وتنفيذ ميزانيات التسيير، منها تضخيم النفقات الاستهلاكية غير المنتجة، وتجاهل توجيهات وزارة الداخلية بخصوص ترشيد الإنفاق، خاصة في ما يتعلق بتقييد نفقات التسيير في حدود الضروريات وإعطاء الأولوية للالتزامات الإجبارية كأجور الموظفين وخدمات الماء والكهرباء والنقل والنظافة، مع ضرورة التوجه نحو الاستثمار في البنيات التحتية الأساسية كمعالجة المياه العادمة.
وأبرزت المصادر أن بعض الجماعات أظهرت مؤشرات “تسخينات انتخابية” مبكرة، عبر استغلال موارد الجماعة في أغراض حزبية، مما دفع قضاة الحسابات إلى التوصية باتخاذ تدابير صارمة لوقف هذه التجاوزات. وشددت التقارير أيضاً على ضرورة تسوية الوضعية القانونية للعقارات المخصصة للمشاريع قبل إطلاقها، مع احترام المساطر المتعلقة بنزع الملكية، خاصة بعد تسجيل تأخيرات كبيرة في أداء مستحقات الأراضي رغم توقيع العقود واستفادة الجماعات منها.
في مواجهة هذه الوضعية، بادرت وزارة الداخلية إلى إطلاق برنامج وطني للتكوين المستمر لفائدة رؤساء الجماعات وأعضاء اللجان الدائمة، يركز على تحسين الأداء المالي والإداري للمجالس المنتخبة، وذلك من خلال أيام دراسية تتناول النظام المالي المحلي وإعداد القوائم المالية، بهدف تجاوز النقص الواضح في الكفاءة الجبائية لدى المنتخبين والموظفين الجماعيين.
هذه التطورات تشير إلى بداية مرحلة جديدة من الرقابة الصارمة والتأهيل المؤسساتي، تهدف إلى تصحيح مسار التدبير المالي للجماعات، وتعزيز الحكامة المحلية القائمة على الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة