يقين 24 ادريس اݣناو
في قلب حي الإنارة الأولى، على تراب عين الشق بالحي الحسني، يقف مركبٌ عجوزٌ مثقلٌ بالذكريات… مركبٌ كان يومًا مدرسةً بلا جدران، منارةً بلا أضواء، وفضاءً يحتضن الصغار والكبار، قبل أن يتحوّل اليوم إلى جرح مفتوح في ذاكرة الساكنة.
إنه مركب حي الإنارة… ذاك الفضاء الذي صنع أجيال السبعينات، واحتضن خطواتهم الأولى نحو المعرفة، قبل أن يتحوّل بفعل الإهمال إلى صرح مغلق لأكثر من ثلاثة عقود، وكأنه حُكم عليه بالنسيان.
كان المركب يستقبل أبناء الحي بلا تمييز…

كان يعلّم اللغة العربية بحب، والقرآن بخشوع، ويمحو الأمّية بحماس.
كانت أبوابه عنوانًا للتضامن، وكانت قاعاته شاهدة على أولى حروف من تعلّموا هناك.
لكن الزمن تغيّر… وتغيّر معه مصير المركب.
اليوم، يجد أبناء الحي أنفسهم أمام سؤال واحد يتردد كنبض موجوع:
من المسؤول عن هذا الإعدام البطيء لصرحٍ تربوي كان قلب الحي وروحه؟
هل يعقل أن يظل مركب بهذه الرمزية مغلقًا لأكثر من 35 سنة؟
هل من المنطقي أن تضيع ذاكرة جيل كامل، دون أن يتحرك أحد لإعادة الروح إلى مكان كان نبضًا تربويًا ودينيًا وثقافيًا؟
إن ساكنة الحي الحسني وعين الشق تتساءل بصوت مرتفع:
– أين هي الجهات الوصية؟
– أين اختفى دور الجماعة والمقاطعة والوزارة المعنية؟
– ولماذا هذا “البلوكاج” غير المفهوم الذي أطال عمر الإهمال؟
لقد تحوّل المركب إلى هيكل صامت، تحيط به الحسرة من كل جانب، في وقت تحتاج فيه الأحياء الشعبية إلى مؤسسات تُعيد للأطفال مساحات التعلم، وإلى فضاءات تُخرج الشباب من ضيق الشوارع إلى رحابة المعرفة.
إننا اليوم أمام مسؤولية جماعية.
ليس المطلوب معجزة… فقط قرار شجاع يعيد فتح أبواب مركب حي الإنارة، ويعيد ترميمه، ويمنحه نفسًا جديدًا ليعود إلى وظيفته الأصيلة: نشر العلم والقرآن ومحاربة الأمّية.
إن صرخة الساكنة ليست صرخة احتجاج فقط…
إنها نداء وفاء لمكان ربّى أجيالًا، ونحت شخصيات، وغيابه اليوم جرح لا يندمل.
فهل تتحرك الجهات المسؤولة قبل أن تضيع الذكرى، وقبل أن ينهار آخر ما تبقى من صرح تربوي كان يومًا منارة الحي؟
الأمل لا يزال قائمًا… والناس لا تزال تنتظر خطوة، كلمة، إرادة…
لعلّ صدى هذا النداء يصل إلى من بيدهم القرار، لعلهم يعيدون النظر، ولعل المركب يعود حيًّا كما كان… منارة علم ودار قرآن وفضاءً يليق بتاريخ حي الإنارة وأهله.

