في تفاعل مباشر مع مضامين الخطاب الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش، الذي شدّد فيه جلالة الملك على ضرورة مواجهة الفوارق المجالية وتحقيق العدالة الاجتماعية، بادر المستشاران سعاد بنعمر وتوفيق زبدة عن الحزب الاشتراكي الموحد بجماعة بني ملال إلى تقديم مذكرة تفصيلية تتضمن رؤية شمولية للنهوض بالمدينة وإلحاقها بركب العواصم الجهوية الست التي شهدت قفزة نوعية في التنمية.
واستشهد المستشاران بمقتطف من الخطاب الملكي جاء فيه: «تجاوز المغرب، هذه السنة، عتبة مؤشر التنمية البشرية، الذي يضعه في فئة الدول ذات التنمية البشرية العالية. غير أنه مع الأسف، ما تزال هناك بعض المناطق، لاسيما بالعالم القروي، تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية. وهو ما لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية. فلا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين.»
وأكد المستشاران أن المذكرة تأتي امتدادا لترافعهما داخل المجلس الجماعي منذ مرحلة إعداد برنامج عمل الجماعة (2022-2027)، وأنها تندرج ضمن النموذج المندمج للتنمية المجالية المزمع إطلاقه قريبا، والذي يلامس قطاعات أساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية وإنعاش الشغل والموارد المائية.
المذكرة شددت على أن بني ملال، باعتبارها عاصمة جهوية، تعاني من خصاص هيكلي يتطلب إرادة سياسية قوية وجرأة في الترافع من أجل تحريك أوراش كبرى. وقد جاءت المقترحات لتطرح حلولا عملية قابلة للإنجاز، من بينها بناء مستشفى جامعي عمومي وتحسين أداء المستشفى الجهوي والإقليمي وتجهيز المراكز الصحية والمستوصفات، وإصلاح المدرسة العمومية بخلق وحدات إضافية وأنوية جامعية ومدارس عليا، وتأهيل البنية التحتية للأحياء الناقصة التجهيز وتحديث الإنارة العمومية وتوسيع شبكة الصرف الصحي، وتوفير مرافق أساسية كالمراحيض العمومية والولوجيات لذوي الاحتياجات الخاصة. كما تمت الدعوة إلى إصلاح خدمات النقل الحضري عبر تحديث الأسطول بحافلات صديقة للبيئة وإنشاء مواقف تحت أرضية وأنفاق لتخفيف الاختناق المروري.
وفي الجانب الاقتصادي ركز المستشاران على خلق فرص الشغل للشباب من خلال جلب الاستثمارات ومحاربة الرشوة والزبونية في تفويت العقارات، ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتأهيل المنطقة الصناعية وتعزيز قطب الصناعات الغذائية التحويلية، إلى جانب الإسراع بإخراج مشروع السكك الحديدية وربط بني ملال بالشبكة الوطنية، وإعادة الاعتبار لمطار بني ملال عبر توسيع نشاطه الداخلي والخارجي وتحويله إلى رافعة للسياحة والاقتصاد المحلي، مع تشجيع السياحة الجبلية وإقامة فنادق مصنفة ومراكز تجارية كبرى.
أما في المجال البيئي فقد تضمنت المقترحات إعادة تأهيل الساحات والفضاءات العمومية وتحويلها إلى حدائق، وإنشاء بحيرة اصطناعية وسدود تلية لتجميع مياه الأمطار ومواجهة الجفاف، وتعرية السواقي القديمة وتنظيفها وتأهيلها، وبناء متنزهات وحديقة نباتات ومشتل نباتي. كما تمت الدعوة إلى إيقاف الزحف العمراني على الأراضي الفلاحية بوضع حزام أخضر حول المدينة، والعودة إلى اللون الأبيض كخيار معماري يعكس هوية بني ملال، والحفاظ على الثروة الغابوية والحيوانية بتكثيف المراقبة وإعادة التشجير.
وفي الشق الثقافي والفني والرياضي دعا المستشاران إلى بناء مسرح كبير ومعهد للموسيقى وقصر للمؤتمرات ومركب رياضي بمواصفات دولية يليق بتاريخ فريق رجاء بني ملال ويستجيب لتطلعات جمهوره، إضافة إلى إحداث مسابح للقرب وملاعب رياضية وفضاءات خاصة بالنساء وكبار السن والأطفال، ومراجعة النظام الضريبي المحلي بما يراعي القدرة المعيشية للساكنة، مع تقوية جسور التعاون بين المجالس المنتخبة والجمعيات الثقافية والرياضية والفنية.
وختم المستشاران مذكرتهم بالتأكيد على أن هذه المقترحات ليست سوى جزء من رؤية أشمل للعدالة المجالية، وأن تفعيلها رهين بوجود إرادة سياسية صادقة وعملية ترافعية جادة على المستويات المحلية والجهوية والوطنية. وأبرزا أن حجم الخصاص في بني ملال يظل مهولا، لكن مع العزيمة والجدية يمكن تحويل هذه التصورات إلى أوراش كبرى تعيد الاعتبار للمدينة وتستجيب لانتظارات ساكنتها.