صباح اليوم السبت، توقفت حافلتان محملتان بأرواح تائهة… وجوه شاحبة، نظرات حائرة، وأمتعة لا تتجاوز بضع أكياس بلاستيكية. قادمون من الناظور، لكنهم ليسوا سائحين ولا عائدين من عمل، بل مشردون، مختلون عقليًا، وذوو احتياجات خاصة… بينهم شاب عشريني من سيدي بنور كان يحلم بيوم تخييم جديد، فإذا به يستيقظ على كابوس اسمه “الترحيل”. مشهد وثقته “يقين 24” بالصوت والصورة، ليعيد طرح السؤال المؤلم: لماذا تحولت بني ملال إلى مستودع لبقايا سياسات اجتماعية فاشلة، ومتى ستتوقف هذه القوافل الصامتة التي تحمل معاناة مدن بأكملها لتلقيها على أعتاب مدن الداخل؟
تحولت بني ملال في السنوات الأخيرة إلى وجهة متكررة لعمليات ترحيل المشردين، وذوي الاحتياجات الخاصة، والمختلين عقليًا، وحتى بعض المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، في حافلات قادمة من مدن الشمال والساحل. ظاهرة تتكرر بوتيرة شبه يومية، وتثير استياءً واسعًا في الأوساط المحلية، لما تحمله من أعباء اجتماعية وأمنية على المدينة وساكنتها.
حادثة هذا الصباح تجسد عمق الإشكالية؛ إذ وصل إلى بني ملال، على متن الحافلتين القادمتين من الناظور، عشرات المرحّلين في أوضاع هشّة. الشاب العشريني القادم من سيدي بنور، والذي كان في رحلة تخييم، يروي كيف وجد نفسه وسط حملة اقتادته إلى حافلة مجهولة الوجهة، ليصل قرابة الثامنة صباحًا إلى بني ملال دون أن يعرف السبب أو الوجهة. شهادته، إلى جانب شهادات أخرى، تعكس غياب أي مواكبة أو تواصل مع هؤلاء المرحلين، وتثير تساؤلات حول خلفيات هذه الممارسات وأهدافها.
الفاعلون الحقوقيون والجمعويون يحذرون من أن هذه السياسة تعمّق هشاشة المدن المستقبلة، وتزيد من مظاهر التشرد والتسول والعنف في الشوارع، بدل معالجة جذور الأزمة. كما يعتبرونها مساسًا صارخًا بالكرامة الإنسانية، وتعارضًا مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي التزم بها المغرب. وقد عبّر العديد من البرلمانيين عن رفضهم لهذه الظاهرة، آخرهم النائبة نبيلة منيب، التي ساءلت وزير الداخلية حول استمرار هذه العمليات، معتبرة إياها “سلوكًا متعمدًا” يتنافى مع شعار “الدولة الاجتماعية”.
وبين صمت رسمي وغضب شعبي، تبقى هذه الظاهرة مرشحة لمزيد من التفاقم، ما لم يتم التعامل معها كملف وطني يستلزم تدخلًا عاجلًا يضمن الأمن، ويحترم كرامة الإنسان، ويحقق العدالة الاجتماعية والمجالية لجميع جهات المملكة.