تتّضح شيئًا فشيئًا تفاصيل القرار الذي وقّعه رئيس الحكومة عزيز أخنوش، والقاضي بمنح وزير الصحة ترخيصًا استثنائيًا لإبرام صفقات تفاوضية خارج المساطر العادية، في خطوة أثارت نقاشًا واسعًا ومخاوف من احتمال استفادة “شركات محظوظة” من مشاريع ضخمة دون منافسة مفتوحة.
القرار، الذي وُصف بأنه “استثنائي في ظرف حساس”، يأتي في سياق ضغط متزايد على الحكومة لإصلاح المنظومة الصحية، بعد موجة احتجاجات وانتقادات حادة وُجهت للوزارة بشأن تدهور البنيات الصحية وضعف الخدمات بالمستشفيات العمومية.
وخلال تقديمها مشروع قانون المالية لسنة 2026 أمام البرلمان، كشفت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح أن الحكومة أطلقت برنامجًا شاملاً لتأهيل وتحديث 90 مستشفى عبر مختلف جهات المملكة، بميزانية إجمالية تقارب 3.3 مليارات درهم، مشيرة إلى أن الهدف هو تسريع وتيرة الأشغال وتحسين الخدمات الاستشفائية في أقرب الآجال.
وأكدت الوزيرة أن اللجوء إلى الصفقات التفاوضية يبرره “الطابع الاستعجالي” للأشغال الضرورية، خصوصًا في ظل الوضعية المقلقة التي تعرفها العديد من المؤسسات الصحية.
ويأتي ذلك في وقت شهد فيه مشروع قانون المالية الجديد قفزة قياسية في ميزانية وزارة الصحة، إذ ارتفعت بأكثر من 10 مليارات درهم مقارنة بسنة 2025، لتتجاوز لأول مرة في تاريخ المغرب عتبة 40 مليار درهم، حيث بلغت 42 مليارًا و357 مليون درهم مقابل 32 مليارًا و575 مليون درهم السنة الماضية.
ورغم أهمية هذه الأرقام، يرى مراقبون أن الهاجس الأكبر يظل في كيفية تدبير هذه الاعتمادات الضخمة، وسط تحذيرات من أن تتحول الصفقات التفاوضية إلى بوابة جديدة لتغذية الشبهات حول الشفافية وتكافؤ الفرص في تدبير المال العام.
مصادر برلمانية اعتبرت أن “تسريع الإصلاح لا يعني القفز على قواعد المنافسة والنزاهة”، مطالبة الحكومة بالكشف عن لائحة المشاريع المعنية وضمان خضوعها للمراقبة المالية والقضائية، حتى لا يتكرر سيناريو صفقات “الاستعجال” التي لطالما أثارت الجدل في قطاعات أخرى.
ويُنتظر أن يشكل هذا الملف أحد الاختبارات السياسية والرقابية الكبرى لحكومة أخنوش، بين ضغط الزمن الإصلاحي من جهة، وتحدي الشفافية والمحاسبة من جهة أخرى.

