في خطوة غير مسبوقة في مسار القضاء المغربي، أصدرت محكمة النقض (المغرب) قرارًا تاريخيًا يقضي بأحقية الطفل المولود نتيجة علاقة غير شرعية، من غير رضى من المرأة، في الاستفادة من النفقة على غرار الطفل الشرعي، محمّلة الجاني مسؤولية الأعباء المادية الناتجة عن فعله. ويُعد هذا القرار، الصادر بتاريخ 15 أبريل 2025 تحت رقم 1/225، نقطة تحوّل في الاجتهاد القضائي المغربي بخصوص قضايا البنوة والنفقة والمسؤولية التقصيرية.
تفاصيل الملف تعود إلى سنة 2023، حين رفعت شابة تعاني من ضعف في قواها العقلية دعوى قضائية أمام المحكمة الابتدائية بالحسيمة ضد رجل أدين بسنة سجناً نافذاً بتهمة هتك عرضها، نتج عنه حمل وولادة طفل في غشت 2022. المدعية طالبت بإلزام الجاني بأداء نفقة شهرية قدرها 500 درهم لفائدة الطفل، مستندة إلى مقتضيات الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية التي تضمن حقوق الأطفال دون تمييز.
ورغم أن المحكمة الابتدائية رفضت الطلب، وأيّدتها محكمة الاستئناف بالحسيمة على اعتبار أن البنوة غير الشرعية لا تنتج آثار البنوة الشرعية المنصوص عليها في مدونة الأسرة المغربية، فإن الأم لجأت إلى النقض، مؤكدة أن الطفل ضحية فعل جرمي لا ذنب له فيه، وأن الدستور، في فصله 32، يكفل حقوق جميع الأطفال بغض النظر عن وضعهم العائلي، كما أن اتفاقية حقوق الطفل، بعد المصادقة عليها، أصبحت جزءاً من التشريع الوطني.
محكمة النقض رأت أن الطلب لا يتعلق بإثبات نسب أو ترتيب آثار البنوة الشرعية، بل بجبر ضرر مادي محقق أصاب الطفل نتيجة الفعل الجرمي. وأكد القرار أن العقوبة الزجرية التي نُفّذت في حق الجاني لا تعفيه من أداء التعويض المدني، مستنداً إلى قواعد المسؤولية التقصيرية والاجتهاد الفقهي المالكي الذي يقرّ الجمع بين الزاجر والجابر في مثل هذه الحالات.
كما استند القرار إلى المبادئ الدستورية التي تحمي جميع الأطفال من التمييز، مؤكداً أن الطفل المولود من علاقة غير رضائية يستحق الرعاية والنفقة قياساً على الطفل الشرعي، لأن الضرر الواقع عليه مادي ومباشر ويتمثل في حرمانه من الإنفاق الضروري للعيش الكريم.
وبناءً على هذه الحيثيات، قررت محكمة النقض نقض الحكم الاستئنافي وإحالة الملف على محكمة الاستئناف بفاس لإعادة النظر فيه، مع تحميل المدعى عليه المصاريف القضائية. ويُرتقب أن يفتح هذا القرار نقاشاً فقهياً وقانونياً واسعاً في المغرب، ويؤسس لاجتهاد قضائي جديد يمنح الأطفال المولودين في ظروف غير شرعية أو قسرية حماية أكبر واعترافاً عملياً بحقوقهم الأساسية.

