محسن خيير
شهد مهرجان بني ملال انتقادات لاذعة من طرف متابعين وإعلاميين بسبب ما اعتُبر ارتجالية تنظيمية وغيابًا للتخطيط المسبق، ما أثّر بشكل مباشر على صورة المهرجان وأفرغه من محتواه الثقافي والفني. فعوض أن يكون مناسبة لتسليط الضوء على مؤهلات المدينة وإشعاعها الثقافي، طغت العشوائية وسوء البرمجة على أجوائه العامة، ما خلّف انطباعًا سلبيًا لدى جمهور المتتبعين.
أولى ملامح الارتباك تجلت في تأخر الندوة الصحافية الرسمية للمهرجان، التي لم تُعقد إلا بعد مرور يومين على انطلاق الفعاليات، وهو أمر أثار حفيظة عدد من الإعلاميين الذين اعتبروا ذلك دليلاً على ضعف التواصل وقصورًا في احترام مبدأ الشفافية والانفتاح على وسائل الإعلام. هذا التأخير ألقى بظلاله على باقي الأنشطة التي بدت هي الأخرى مشتتة ومنفصلة عن جمهورها، نتيجة غياب الإشهار المسبق وسوء التنسيق بين مكوناتها.
عدد من الفعاليات، التي تحمل قيمة مضافة في بعدها الرياضي أو الفكري، مرّت مرور الكرام دون أن تحظى بالاهتمام المطلوب، ومن بينها بطولة الكرة الحديدية، ودوري كرة القدم، ثم الندوة العلمية المنظمة بمقر ولاية الجهة، والتي ناقشت موضوع “العبقرية الملكية” بحضور نخبة من الأساتذة والباحثين. ورغم أهمية الموضوع وقيمة المتدخلين، فإن التغطية الإعلامية كانت شبه منعدمة، ما ساهم في تقليص أثر الحدث.
وفي الوقت الذي كان يُفترض أن يشكل المهرجان منصة لتكريس الوعي الثقافي وتعزيز إشعاع المدينة، طغى على برمجته طابع الترفيه السطحي، وتم تهميش المضامين الهادفة لفائدة عروض استهلاكية تُعيد إنتاج النمط نفسه من الرداءة. هذا التوجه يعكس، بحسب عدد من المتتبعين، غياب رؤية ثقافية واضحة تؤطر فلسفة المهرجان وتربطه بمشروع مجتمعي شامل.
كما لم يسلم تدبير الموارد العمومية من الانتقاد، إذ عبّر عدد من المهتمين بالشأن المحلي عن استيائهم من الطريقة التي تم بها إنفاق المال العام على تظاهرة يغيب فيها التخطيط وتُفتقر للحكامة. وقد رأى البعض في هذه الدورة تكريسًا لنموذج من التسيير الثقافي القائم على العفوية والقرارات المرتجلة، بدل اعتماد منهجية عقلانية تستند إلى تقييم دقيق للأولويات والاحتياجات.
وبناءً على ما سبق، يبدو أن مهرجان بني ملال في حاجة ماسة إلى مراجعة جذرية، ليس فقط على مستوى التنظيم، بل كذلك على مستوى التصور الثقافي والفني الذي ينبغي أن يؤطره. إذ لا يمكن الحديث عن تنمية ثقافية حقيقية دون تخطيط استراتيجي، وتدبير شفاف، وانفتاح فعلي على الفاعلين المحليين والجمهور العريض.