يشهد المغرب اليوم مرحلة دقيقة من مسار الإصلاح السياسي، بعد مصادقة المجلس الوزاري على مجموعة من مشاريع القوانين التنظيمية، من بينها تعديل يخص مجلس النواب يهدف إلى تبسيط شروط ترشح الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم 35 سنة. خطوة تبدو في ظاهرها بادرة أمل لفتح الباب أمام طاقات جديدة، لكنها في عمقها تحدٍّ حقيقي أمام الممارسة السياسية التقليدية التي ظلت لعقود حكرًا على نفس الوجوه والأسماء.
على امتداد السنوات الماضية، ظل أغلب السياسيين يحتكرون المقاعد والمناصب كما لو كانت ملكًا خاصًا، يتوارثها الأبناء والأقارب داخل الأحزاب. وغابت الكفاءة لتحل محلها الولاءات والمصالح الشخصية، مما خلق فجوة كبيرة بين الطبقة السياسية والمجتمع، وخصوصًا فئة الشباب التي فقدت الثقة في جدوى المشاركة السياسية.
اليوم، حين يدعو المشروع الملكي إلى تجديد النخب وضمان نزاهة الاستحقاقات المقبلة، فالأمر لا يتعلق بتجميل الصورة أو بزيادة عدد الشباب في القوائم الانتخابية فقط، بل بضرورة إعادة بناء الثقة في العمل السياسي من أساسه. فالشباب المغربي يملك من الكفاءة والطموح ما يؤهله لتحمل المسؤولية، لكنه يحتاج إلى فرصة حقيقية لا شكلية، تُمنح على أساس الاستحقاق لا القرابة أو المحسوبية.
ولأن التجارب السابقة علمتنا أن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي، فإن تنزيل هذه الإصلاحات يجب أن يخضع لمراقبة دقيقة من وزارة الداخلية والمؤسسات المعنية. فالمراقبة ليست تشكيكًا في أحد، بل ضمانة لحماية جوهر الإصلاح، حتى لا يتحول إلى شعار انتخابي جديد، أو تُستغل النصوص القانونية لتلميع الوجوه القديمة، أو إدخال أصدقاء الحزب وأقارب القيادات في ثوب شبابي مزيف، مع إقصاء العديد من الشباب الذين ليست لهم صلة بالقياديين، رغم رغبتهم الصادقة في العمل السياسي من أجل الإصلاح وخدمة الصالح العام.
حليم عثمان

