في تطور وصف بالمفصلي داخل أروقة العدالة، أسدلت غرفة الجنايات الاستئنافية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بفاس، زوال الأربعاء، الستار عن إحدى أكثر القضايا إثارة للجدل في قطاع التعليم، والمتعلقة بما يعرف إعلامياً بـ“فضائح البرنامج الاستعجالي”. فبعدما كانت غرفة الدرجة الأولى قد أقرت في ماي من العام الماضي ببراءة جميع المتابعين، جاء الحكم الاستئنافي لينسف تلك القرارات ويعيد صياغة المشهد القضائي بصرامة أكبر، من خلال إدانة مسؤولين بارزين بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين فاس-بولمان بعقوبات سالبة للحرية بلغت أقصاها ثلاث سنوات حبسا نافذاً.
الأحكام شملت مديري الأكاديمية السابقين، إلى جانب رؤساء مصالح وأقسام حيوية ارتبطت بتدبير الميزانية، والتجهيز، والشؤون التربوية، والخريطة المدرسية، والإعلام والتوجيه، فضلاً عن أعضاء باللجنة التقنية المشرفة على تسلم العتاد، الذين أصدرت في حقهم المحكمة عقوبات تراوحت بين سنة وسنتين حبسا نافذاً. ولم تقف دائرة الإدانة عند الإطارات الإدارية وحدها، بل امتدت لتشمل أصحاب شركات تعاملت مع الأكاديمية، حيث أدين بعضهم بعقوبات مماثلة، في حين برأت الهيئة عدداً من النواب الإقليميين وأعضاء لجان محلية من التهم المنسوبة إليهم.
هذا التطور القضائي أعاد إلى الواجهة النقاش حول طريقة تدبير البرنامج الاستعجالي، الذي رُصدت له ميزانيات ضخمة في سبيل النهوض بالمدرسة العمومية المغربية، غير أن مسار التنفيذ شابته اختلالات خطيرة فجّرت فضائح مالية وإدارية هزت الرأي العام. وتُعد هذه الأحكام إشارة قوية من المؤسسة القضائية بضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، وترسيم حدود واضحة بين المسؤولية الإدارية والجنائية، في وقت لا يزال فيه المجتمع المدني والهيئات التربوية يتطلعون إلى كشف كل خيوط هذا الملف الذي بصم تاريخ إصلاح التعليم في المغرب بكثير من الجدل والخيبات.