في المغرب لا تحتاج الحكومة إلى عبقرية كبيرة لتهدئة الشارع، كل ما في الأمر: منصة، أضواء، نجوم مستوردة، ثم تعزف الموسيقى حتى آخر الليل، بينما المستشفيات بلا أطباء والمدارس بلا مقاعد والقرى بلا ماء والشباب بلا عمل.
ابن خلدون قبل ستة قرون رسم هذا المشهد بدقة حين قال “إذا تعاظم الترف في الدولة كان ذلك إيذانا بخرابها”. أما مكيافيلي فقد نصح الحكام بـ “إلهاء الناس بالفرجة ليغفلوا عن السياسة”. يبدو أن نصائحهما تترجم حرفيا اليوم، وكأن وزاراتنا تقرأهما كدليل عمل لا كتحذير.
المفارقة أن هذه المهرجانات تسوق على أنها “مشروع ثقافي”،بينما الثقافة الحقيقية ترفع الوعي وتحرض على التفكير.
ما يقدم اليوم ليس سوى جرعات ترف مخدرة تضمن أن يرقص المواطن بدل أن يسأل: أين ذهبت أموال الضرائب؟ ولماذا تظل مدننا غارقة في البطالة والبنية التحتية المتهالكة؟
إنها سياسة خبز وألعاب أو بالأحرى “لا خبز، وألعاب كثيرة” وهكذا. ففي الوقت الذي يتقن فيه السياسيون فن الخطابة في المنصات، يتقن المواطنون فن الصمت في الطوابير.
وفي النهاية لا يمكننا أن نلوم مكيافيلي على دهاءه ولا ابن خلدون على بصيرته، بل نلوم أنفسنا لأننا قبلنا أن تتحول مطالبنا إلى أغان، وأحلامنا إلى عروض ضوئية. فحين يكتفي المواطن بالتصفيق، ويقنع بأن الحكومة تمنحه “الفرجة” بدل “الفرصة”، يصبح الفشل سياسة والتضليل ثقافة رسمية. وعندها فقط يتحقق قول ابن خلدون: “إذا دخلت الدولة مرحلة اللهو والترف فقد آذنت بخرابها”.