يقين 24/حليمة صومعي
شهدت محاكم المملكة خلال سنة 2024 ارتفاعاً لافتاً في عدد قضايا ثبوت الزوجية، حيث بلغت 4134 قضية مقابل 3520 قضية سنة 2023، أي بزيادة قدرها 17,44%، بمعدل يقارب 11 قضية يومياً عبر مختلف محاكم الأسرة بالمغرب، وفق ما ورد في التقرير السنوي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. وأوضح التقرير أن عدد الأحكام الصادرة في هذه القضايا ارتفع بنسبة تجاوزت 42% مقارنة مع السنة السابقة، ما يعكس اتساع رقعة الظاهرة رغم مرور أكثر من عقدين على صدور مدونة الأسرة التي جعلت توثيق الزواج شرطاً أساسياً لصحته.
وتصدرت محكمة الاستئناف ببني ملال قائمة المحاكم التي سجلت أعلى عدد من قضايا ثبوت الزوجية سنة 2024، بإجمالي 770 قضية مقابل 546 سنة 2023، أي بزيادة 41%. وجاءت الدار البيضاء في المرتبة الثانية بـ587 قضية بعد أن كانت 265 فقط سنة 2023 بنسبة نمو غير مسبوقة بلغت 121%. أما الجديدة فاحتلت المركز الثالث بـ588 قضية، في حين شهدت فاس تراجعاً إلى 473 قضية بعد أن كانت 602 في السنة السابقة. كما عرفت القنيطرة انخفاضاً حاداً من 886 إلى 506 قضية بنسبة ناقص 42,89%، بينما سجلت سطات قفزة كبيرة بنسبة 169% لتصل إلى 253 قضية، تليها الرباط بـ145 قضية بنسبة ارتفاع فاقت 339% مقارنة مع سنة 2023.
ويرى المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن استمرار تسجيل هذه القضايا يعود إلى مجموعة من العوائق القانونية والاجتماعية والإدارية، أبرزها الجهل بمقتضيات مدونة الأسرة وأهمية توثيق الزواج، وصعوبة الولوج إلى مكاتب العدول أو غيابهم في بعض المناطق النائية، وعدم الحصول على الوثائق الإدارية الضرورية أو على الإذن في حالات الزواج المختلط أو التعدد، إضافة إلى تماطل أحد الزوجين في استكمال إجراءات التوثيق، وممانعة عائلية أو خلافات أسرية تحول دون إتمام العقد.
ويشير التقرير إلى أن بعض المتقاضين يستغلون دعوى ثبوت الزوجية من أجل إضفاء الشرعية على علاقات غير قانونية، خاصة في حالات زواج القاصر أو التعدد دون ترخيص قضائي، ما يجعل هذه الدعوى أحياناً وسيلة للتحايل على مقتضيات القانون. كما تؤكد الوثيقة أن المادة 16 من مدونة الأسرة أتاحت إمكانية إثبات الزواج عبر دعوى قضائية عندما يكون الزواج قد تم فعلاً وفق الأعراف دون توثيق رسمي، شرط أن تقدم المحكمة ما يثبت العلاقة الزوجية مثل وجود أطفال أو حمل ناتج عنها.
ويخلص التقرير إلى أن الأصل في الزواج هو الإشهاد عليه وتوثيقه رسمياً، غير أن الواقع الاجتماعي في عدد من المناطق المغربية ما زال يُفرز حالات عديدة يتم فيها الزواج بالاكتفاء بقراءة الفاتحة وإقامة حفل الزفاف دون تحرير العقد العدلي. وتكشف هذه الأرقام استمرار الفجوة بين النص القانوني والممارسة الاجتماعية، خاصة في القرى والمناطق الجبلية حيث يُقدَّم العرف على القانون، ما يستدعي تكثيف حملات التوعية وتبسيط مساطر التوثيق لحماية الحقوق القانونية للزوجين والأطفال.
ورغم الجهود التشريعية والقضائية المبذولة، تؤكد معطيات سنة 2024 أن الزواج غير الموثق ما زال ظاهرة مقلقة تنذر بتداعيات اجتماعية وقانونية عميقة، وأن بني ملال أصبحت عنواناً بارزاً لهذه الإشكالية التي تتطلب معالجة شاملة تعيد للزواج المغربي شرعيته القانونية ومكانته الاجتماعية.

