يقين 24/ حليمة صومعي
في خطوة وُصفت بأنها “الأكثر صرامة منذ اعتماد الجهوية المتقدمة”، شرعت وزارة الداخلية في تنزيل توجيهات جديدة تخص إعداد وتنفيذ ميزانيات الجماعات الترابية برسم سنة 2026، في محاولة لإعادة الانضباط المالي وترشيد الإنفاق العمومي، وسط ظرفية اجتماعية مشحونة واحتجاجات متواصلة يقودها شباب “الجيل زد” المطالبون بالعدالة الاجتماعية وفرص الشغل.
الدورية الوزارية الصادرة بتاريخ 6 أكتوبر 2025، وضعت معالم جديدة لتدبير المال المحلي، مركزة على توجيه الموارد نحو أربعة محاور أساسية: دعم التشغيل، تحسين الخدمات الاجتماعية، تدبير الموارد المائية، وإطلاق مشاريع ترابية مندمجة. وهي توجهات تنسجم مع التوجيهات الملكية الأخيرة الداعية إلى “جعل الاستثمار في الإنسان أولوية الأولويات”، غير أن هذه الإجراءات أثارت نقاشًا واسعًا حول حدود تدخل وزارة الداخلية وصلاحيات المجالس المنتخبة.
فمن جهة، يُنظر إلى هذه الدورية كخطوة ضرورية لمعالجة اختلالات التدبير التي طبعت تجربة الجماعات الترابية، حيث فشلت العديد منها في تحويل ميزانياتها إلى مشاريع تنموية ملموسة. ومن جهة ثانية، يرى منتقدون أن تعزيز صلاحيات الولاة والعمال في مراقبة كل تفاصيل الإنفاق المحلي، قد يفرغ التجربة الديمقراطية الترابية من مضمونها ويضعف ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة.
ويعتبر المحلل الاقتصادي محمد جدري أن “إشكالية التنمية في المغرب لا تكمن في قلة الموارد، بل في ضعف نجاعة استخدامها”. موضحًا أن كلفة تحقيق 1% من النمو في المغرب تفوق بكثير المعدلات العالمية، حيث يحتاج البلد إلى 11 أو 12 نقطة من الناتج الداخلي الخام، مقابل 5 أو 6 في بلدان مماثلة.
وأشار جدري في تصريحه إلى جريدة العمق إلى أن الفساد وسوء تدبير الاستثمارات العمومية يكلفان الدولة ملايير الدراهم سنويًا، معتبرًا أن ترشيد نفقات الجماعات خطوة إيجابية إذا ما طُبقت بالعدل والشفافية، دون أن تتحول إلى وسيلة لتقويض صلاحيات المنتخبين.
ويحذر الخبير ذاته من أن “الرقابة الإدارية المشددة يجب ألا تفرغ الديمقراطية المحلية من محتواها”، فالجماعات، كما يقول، تستمد مشروعيتها من صناديق الاقتراع، في حين أن الولاة والعمال يمثلون سلطة التعيين، مما يستدعي إيجاد توازن دقيق بين الشرعيتين حتى لا تُختزل الجماعات في دور تنفيذي تابع للداخلية.
في المحصلة، تعكس إجراءات وزارة الداخلية مفارقة عميقة في معادلة الإصلاح المحلي: فهي تحاول ضمان نجاعة الإنفاق العمومي واستعادة ثقة المواطنين، لكنها في الوقت نفسه تُحيي الجدل القديم حول من يملك القرار في تدبير الشأن المحلي — المنتخب أم المعين.
وبين مطلب الشارع بمزيد من الشفافية والمساءلة، وسعي الدولة إلى ضبط الموارد وترشيدها، يبدو أن سنة 2026 ستكون اختبارًا حقيقيًا لتوازن السلطة بين المركز والمجال، ولقدرة الجماعات على إثبات أنها شريك تنموي فعلي، لا مجرد منفذ لتوجيهات إدارية.

