حطاب الساعيد
حين يغيب الملك محمد السادس نصره الله، لأي سبب كان، يظهر المغرب على حقيقته: دولة تسير بمظلة واحدة، وإذا غابت سقطت الأقنعة عن باقي المظلات السياسية التي كانت تتستر خلف هيبته وقراراته وشعبيته. لحظة الغياب، ولو كانت ظرفية، كانت كافية لتعري واقعاً سياسياً هشا، ونخبة عاجزة عن حمل المسؤولية في غياب “المرجعية العليا”،كأن “الربان الوحيد” قد ترك السفينة، فلم تجد من يوجهها أو يمنعها من الغرق.
ففي كل مرة يغيب فيها الملك ولو مؤقتا بسبب المرض أو لأي ظرف آخر، لا يغيب عن الساحة فراغ فقط، بل يفتح هذا الغياب المجال لفيروس أكثر خطورة ألا وهو فيروس الحكومة .
هذا الفيروس ليس مرضا بيولوجيا، لكنه تعبير مجازي عن أزمة عميقة تعيشها الحكومة المغربية، التي تظهر في غياب الملك مرتبكة، فاقدة للبوصلة، عاجزة عن المبادرة أو اتخاذ القرارات الحاسمة.
فكل المؤشرات تؤكد أن الشعب المغربي يعيش تحت ضغط خانق بسبب هذا الفيروس، حيث أسعار المواد الأساسية في ارتفاع جنوني، والمحروقات تواصل استنزاف الجيوب،و البطالة تفتك بالشباب، المدرسة العمومية تنهار، والقطاع الصحي في حالة احتضار دائم، وبين كل هذا، لا صوت يُسمع للحكومة إلا حين تخرج لتبرر أو تهاجم منتقديها أو تُقنع الناس أن الأزمة عالمية.
هذا الوضع لم يكن مفاجئًا لمن تابع بدقة خطاب الملك حين قال :
“بعض المسؤولين يختبئون وراء القصر، وعندما تكون الأمور إيجابية يتسابقون للركوب عليها، وعندما تكون سلبية يقولون هذا من اختصاص الملك”.
فكلمات الملك آنذاك لم تكن مجرد توجيه، بل إنذار سياسي مبكر، لكن بدل أن يُراجع السياسيون أنفسهم، استمروا في الاحتماء بالمظلة الملكية، معتبرين أن وجودهم في المشهد السياسي مرهون بما يقوله القصر، لا بما يقدمونه من حلول ومبادرات.
وهذا ما جعل الشعب يدرك جيدا أن غياب الملك يخلق فراغاً لا تملؤه لا حكومة ولا برلمان ولا أي مؤسسة أخرى. حيث العجلة تتباطأ، والمبادرات تتجمد، والملفات الكبرى تُؤجل، وكأن البلد دخل في حالة “سبات سياسي” إلى حين عودته.
فالمطلوب اليوم ليس فقط الدعاء بالشفاء العاجل للملك — وهو واجب وطني وإنساني — بل المطلوب أيضاً أن تكون لحظة غيابه فرصة لمراجعة الذات، ولطرح سؤال الاستقلالية المؤسساتية بجرأة، وللخروج من منطق الدولة المعتمدة على “الزعيم المنقذ”، نحو دولة تشتغل بعقل جماعي ومسؤولية مشتركة.
فدولة التي لا تقوى على السير دون ظل الملك، لا تستحق أن تُسمى دولة مؤسسات.بل هي جسد مريض… ينتظر من ينقذه في كل مرة.