حبيب سعداوي.
جماعة بني وكيل بإقليم الفقيه بن صالح نموذج حي للتناقض الصارخ بين غنى الأرض وفقر الإنسان ، أرض حبلى بالخيرات ، تنام على كنوز من الفوسفاط ، لكنها تستيقظ كل يوم على واقع مؤلم من التهميش والفقر والحرمان ، كأن لعنة ما أصابت هذه المنطقة التي قُدر لها أن تكون غنية بما تحتها وفقيرة بما فوقها ، فبينما تنعم أراضيها بالثروات الطبيعية الهائلة ، يعيش أبناؤها في عوز دائم وغياب تام لأبسط مقومات العيش الكريم.
في هذه الجماعة تم تفويت الأرض بثمن بخس لأصحاب القرار ، بمشاركة بعض أهلها الذين باعوا أراضيهم بدون قيد ولا شرط ، ربما بدافع الحاجة أو الجهل بما سيؤول إليه مصير هذه الأراضي ، فكانت النتيجة أن أصبح الفوسفاط زاحفا على أراضيهم كوحش لا يشبع ، في حين ظلت التنمية غائبة كأنها لم تُخلق بعد ، لا مصانع ، ولا مراكز التكوين ، لا فرص شغل ، ولا مشاريع تنموية حقيقية يمكن أن تعيد الأمل للساكنة
التي تعبت من الانتظار ومن الوعود الكاذبة.
بني وكيل اليوم تأن تحت وطأة الفقر المدقع ، شبابها عاطل، نساؤها مغلوبات على أمرهن ، وأطفالها يحلمون بمدرسة بمعايير الجودة ، وبمستقبل أفضل ، لكن من يسمع؟ من يدافع عن هذه الأرض التي أخذت منها خيراتها دون أن تترك لها سوى الغبار والبطالة والفراغ؟ طرقات تشق هنا وهناك ، تمر من أماكن دون أخرى ، وكأن التنمية انتقائية تمنح بحسب المصالح لا بحسب الحاجة ، “غرض في نفس يعقوب” كما يقال ، وملعب رياضي يبنى في وجه جائعين ، وكأن الرسالة واضحة: لا عمل، لا مشاريع، لا ماء، لا كهرباء، لكن إلعبوا وٱركضوا لتنسوا جوعكم . أين هي العدالة المجالية؟ أين هي المساءلة؟ كيف يمكن لمنطقة تسبح فوق الفوسفاط أن تغرق في الفقر؟ أليس من العار أن تتحول خيرات الأرض إلى نقمة على أهلها بدل أن تكون نعمة تنقذهم من الضياع؟
والأخطر من ذلك هو غياب مرافعة حقيقية من طرف المنتخبين الذين يفترض فيهم أن يكونوا صوت الساكنة والمدافعين عن حقوقها ، إذ يلتزم أغلبهم الصمت المريب ، وكأن ما يجري لا يعنيهم ، فلا صوت يطالب بحقوق الجماعة ، ولا ملف يرفع للمطالبة بنصيبها العادل من خيرات الفوسفاط ، ولا حتى مبادرة رمزية تترجم الحد الأدنى من المسؤولية.
في نظري ، الفوسفاط يمكن أن يكون مفتاح نهضة جماعة بني وكيل إذا تم التعامل معه بعقلية تنموية حقيقية لا بعقلية استغلالية ، فهذا المورد الثمين قادر على تغيير وجه المنطقة بالكامل لو تم توجيه جزء من عائداته إلى خدمة الساكنة بدل أن تذهب كلها إلى المراكز الكبرى ، إذ يمكن للفوسفاط أن يخلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة لأبناء الجماعة بدل استقدام اليد العاملة من خارجها ، كما يمكن أن يساهم في إحداث مشاريع تنموية حقيقية في البنية التحتية: مدارس تكوينية ، مراكز صحية جيدة لمواجهة الأمراض الغير المألوفة ، شبكات للماء والكهرباء جيدة ، وطرقات تربط الدواوير المنسية بالمركز
ويمكن تخصيص جزء من مداخيله لإنشاء صندوق تنمية محلي يمول مشاريع صغيرة لفائدة الشباب والنساء في مجالات الفلاحة والتعاونيات والصناعات التقليدية ، بل ويمكن للفوسفاط أن يكون أيضا رافعة ثقافية وبيئية إذا وظف جزء من أرباحه للحفاظ على البيئة وتعويض ما تفسده
عمليات الاستخراج من أراض ومياه وهواء.
خلاصة القول: الفوسفاط ليس لعنة ، لكنه يصبح كذلك حين يستخرج من تحت أقدام الفقراء ولا يعود عليهم بشيء ، وإذا تحققت العدالة في توزيع عائداته ، يمكن لبني وكيل أن تتحول من جماعة منكوبة إلى نموذج للإنصاف والتنمية المستدامة ، وإلا فستظل الحكاية نفسها تتكرر: ثروة تنهب وإنسان ينسى وممثلون صامتون في وجه واقع موجع يزداد سوءا يوما بعد يوم…يتبع

