عندما يختار جلالة الملك محمد السادس أن يختم خطابه بآية من الذكر الحكيم، فالأمر ليس صدفة ولا تزيينًا بلاغيًا، بل موقف يحمل من العمق والرسائل ما لا تحتمله الكلمات العادية.
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾، هي الآية التي اختارها جلالته لتكون الخاتمة، والختام هنا أبلغ من كل خطاب سياسي أو تقرير إداري.
إنها دعوة مفتوحة إلى مراجعة الذات، وتذكير صارخ لكل مسؤول وفاعل، بأن الوطن ليس ساحة للمناصب والمصالح، بل ميدان للعطاء والإخلاص والوفاء بالعهد. فالملك، وهو القائد والرمز، لا يخاطب المؤسسات بقدر ما يخاطب الضمائر، ويضع الجميع أمام مرآة الحقيقة: كل ما نفعله للوطن، مهما بدا صغيرًا، محفوظ في سجل لا يُمحى.
في زمنٍ تعالت فيه الأصوات المبرّرة للتقصير، وتكاثرت الوجوه التي تتفنّن في الهروب من المسؤولية، جاء الخطاب الملكي ليعيد الأمور إلى نصابها: لا تهاون بعد اليوم، ولا عذر للمتخاذلين. فالوطن لا ينتظر الشعارات ولا الخطابات المزيّنة، بل ينتظر العمل النزيه، والإرادة الصادقة، والنتائج الملموسة.
ومن لا يدرك معنى الثقة الملكية، أو يستخف بآمال الشعب، فعليه أن يتذكّر أن الزمن لا يرحم، والتاريخ لا ينسى، والله لا يغفل عمّا يعمل العباد.
الآية التي ختم بها جلالة الملك خطابه ليست مجرد نهاية، بل بداية لمرحلة جديدة عنوانها المحاسبة والمسؤولية. فـ”مثقال الذرة” كافٍ ليُقيم العدل، وكافٍ أيضًا ليُسقط الأقنعة.
هي رسالة بليغة إلى كل من يعبث بمقدّرات الوطن، بأن الحساب آتٍ لا محالة، وأن المغرب يمضي في طريقه بثقة، تحت قيادة ملكٍ يؤمن بأن الحق لا يُقاس بالكثرة، بل بالصدق، وأن المسؤولية ليست شرفًا يُمنح، بل أمانة تُحاسَب.

