يقين 24/ حليمة صومعي
في رسالة سياسية وإدارية غير مسبوقة، أطلق وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت صفّارة الإنذار في وجه رؤساء الجماعات الترابية، معلناً نهاية زمن التساهل مع “العبث المالي” و”الارتجال في التدبير”. الوزير وجّه دورية صارمة إلى الولاة والعمال دعاهم فيها إلى تشديد المراقبة القبلية على ميزانيات الجماعات، مع التأكيد أن كل انحراف في الإنفاق العمومي لن يمرّ دون محاسبة.
لفتيت شدّد على أن الميزانية لم تعد مجرّد وثيقة شكلية، بل أداة حقيقية لتنزيل المشاريع التنموية على الأرض، داعياً المسؤولين المحليين إلى وضع تقديرات واقعية للمداخيل والنفقات بعيداً عن المبالغات والمناورات.
وأكد الوزير أن بعض الجماعات دأبت على تضخيم العجز أو النفخ في فواتير التسيير لتبرير طلبات دعم إضافي من الدولة، وهي ممارسات وصفها بـ“غير المقبولة” وستُواجه بصرامة إدارية وقانونية.
في إطار سياسة التقشف الموجهة، وجّه وزير الداخلية تعليماته إلى الجماعات بضرورة خفض المصاريف الثانوية مثل الوقود، الاستقبال، الإطعام، والحفلات، مع ترشيد استهلاك الماء والكهرباء وضبط نفقات الصيانة.
كما شدّد على توجيه الموارد المالية نحو المشاريع ذات الأثر المباشر على المواطن، بدل إهدارها في مصاريف شكلية لا تضيف شيئاً للتنمية المحلية.
ولم يُخفِ لفتيت استياءه من استمرار الفوضى في تدبير العقارات الجماعية، خصوصاً الأراضي السلالية التي فُوّتت للجماعات دون استكمال العقود القانونية أو أداء المستحقات المالية. الوزير اعتبر أن تأخر التسوية يُعدّ “إخلالاً بالمسؤولية” ووجّه تعليمات صارمة بتصحيح الوضع في أقرب الآجال.
تحركات وزارة الداخلية تأتي في سياق دقيق، يتزامن مع تصاعد الغضب الشعبي من تبذير المال العام وغياب المحاسبة. ويبدو أن لفتيت اختار المواجهة المباشرة مع الفساد المالي المحلي، واضعاً أسس مرحلة جديدة عنوانها “الشفافية أولاً، والمحاسبة قبل كل شيء”.
الرسالة واضحة: لا مكان بعد اليوم للتسيير العشوائي أو الأرقام المضللة. فإما أن تنخرط الجماعات في منطق المسؤولية، وإما أن يتحمل المتورطون نتائج اختلالاتهم أمام القضاء.
هل تلتقط الجماعات الترابية الإشارة هذه المرة؟ أم أن ساعة الحساب قد دقّت بالفعل؟

