حطاب الساعيد
في قلب جبال الأطلس حيث تتنفس الأرض بلهجة الأجداد، ولد الفنان الأمازيغي محمد نباعلي سنة 1974 بقرية بونوال جماعة سيدي يحيى وساعد إقليم خنيفرة. منذ نعومة أظافره كان مأخوذا بسحر اللغة الأمازيغية، التي كانت تتداول في محيطه اليومي لكنها غائبة عن المشهد الفني الوطني. هذا الغياب دفعه إلى اتخاذ الفن وسيلة لإحياء ما اعتبره روحا مهددة بالاندثار.
بدأ مسيرته الفنية سنة 1990 متحديا محدودية الإمكانيات وظروف الإنتاج، ليصبح اليوم من أكثر الفنانين الأمازيغ إنتاجا بأكثر من أربعين ألبوما وما يزيد عن مئتي أغنية. أعماله تتنوع بين مواضيع الحب والطبيعة والهوية، لكنها تتقاطع جميعا في هدف واحد: إعادة الاعتبار للغة الأمازيغية كوسيلة تعبير فني راق. ورغم قلة نشاطه على المنصات الرقمية إلا أن أغانيه حصدت أكثر من ثلاثين مليون مشاهدة على يوتيوب، ما يعكس قوة تأثيره وانتشار رسالته بين الجمهور.
منذ عام 2008 بدأت الإذاعة الأمازيغية ببث أعماله بشكل منتظم ما ساهم في ترسيخ مكانته كأحد رموز الأغنية الأمازيغية الحديثة. كما شارك في العديد من المهرجانات الوطنية، مثل مهرجان دبدو، مهرجان أزرو، ومهرجان تيغسالين، إضافة إلى مساهمته في تنشيط الاحتفالات الرسمية والمناسبات الثقافية الكبرى، بما فيها تلك المواكبة للزيارات الملكية. وقد حصل على بطاقة الفنان من وزارة الثقافة اعترافا بعطائه الفني ودوره في خدمة التراث الأمازيغي المغربي.
محمد نباعلي لا يرى في الفن مجرد وسيلة للترفيه بل يعتبره أداة مقاومة ثقافية. فهو يؤمن أن اللغة الأمازيغية ليست لهجة محلية بل هي نبض شعب ويقول: “أنا أغني بها كي لا تموت”. هذا الإيمان العميق بالهوية جعله يلتزم طوال مسيرته باستخدام الأمازيغية في كتاباته وأدائه، ليعيد لها الحياة في قلوب المستمعين ويمنحها حضورا فنيا يليق بتاريخها.
محمد نباعلي ليس مجرد فنان بل هو ذاكرة ناطقة وصوت من أعماق الأطلس، يذكرنا بأن الفن يمكن أن يكون جسرا بين الماضي والحاضر وأن اللغة الأمازيغية مهما حاول البعض تهميشها ستظل حية ما دام هناك من يغني بها.