محمد عطيف
بعد سنوات من الإهمال والخراب، استعادت ملاعب القرب بمنطقة سيدي مومن بعضًا من حيويتها عقب عملية إصلاح شاملة همّت ثلاثة ملاعب رئيسية كانت إلى وقت قريب شاهدة على غياب الصيانة وسوء التدبير. في البداية، بدت الصورة واعدة: أرضيات جديدة وإنارة محسّنة وأبواب مفتوحة أمام حلم الشباب في استعادة فضاءات رياضية افتقدوها طويلًا، غير أن هذا الأمل سرعان ما تلاشى بعدما اكتشف أبناء الحي أن ما تغيّر هو المظهر فقط، بينما ظلت أساليب الاستغلال القديمة على حالها بل وعادت بقوة أكبر. بمجرد انتهاء الإصلاحات، عادت الوجوه القديمة التي كانت تُدير هذه الملاعب بشكل غير قانوني إلى الواجهة، وبدل أن تتولى الجمعيات المحلية أو السلطات المنتخبة تنظيم عملية الولوج والتسيير، تسابق البعض إلى فرض “سيطرة الأمر الواقع”، وكأن هذه الفضاءات ملك خاص يُدرّ الأرباح لمن يملك النفوذ لا لمن يستحق الفضاء. عدد من شباب سيدي مومن تحدّثوا لجريدة “يقين 24” بمرارة عن عودة نفس الممارسات السابقة، حيث تُكرى بعض الملاعب بما يصل إلى 150 درهمًا للساعة، في حين يُفترض أن تكون مجانية أو رمزية باعتبارها “ملاعب قرب”. أحدهم قال: “كنا ننتظر أن تعود الملاعب لنا نحن أبناء الحي، لكنها عادت لمن كانوا يحتكرونها. القرب اليوم بالاسم فقط، أما في الواقع فالملاعب بعيدة عنا أكثر من أي وقت مضى.” حسب معطيات حصلت عليها الجريدة، تم تأسيس جمعية جديدة بتنسيق مع عمالة مقاطعات سيدي البرنوصي لتأطير عملية التسيير وضمان ولوج عادل للساكنة، لكن الواقع الميداني يرسم صورة مغايرة تمامًا، إذ فُتحت الملاعب دون إعلان رسمي أو مراقبة واضحة، ما سمح بعودة مظاهر “الاحتلال المقنّع” التي حوّلت مشروعًا رياضيًا عموميًا إلى مصدر دخل شخصي لا يخضع لأي رقابة مالية أو قانونية. وقال مستشار جماعي سابق في تصريح لـ”يقين 24″: “كانت الفكرة من ملاعب القرب هي تقريب الرياضة من المواطن، لكن ما يحدث اليوم هو عكس ذلك تمامًا. هناك من حوّلها إلى مشاريع مدرّة للربح في غياب أي محاسبة.” خلف كل ملعب مغلق أو مؤدى عنه، هناك شباب حُرموا من حقهم الطبيعي في ممارسة الرياضة، إذ تحولت رياضة الشارع إلى رفاهية لا يقدر عليها إلا من يملك ثمن “الساعة”، ليجد أبناء الأحياء الشعبية أنفسهم في مواجهة واقع يجعل من الرياضة امتيازًا لا حقًا. يقول أحدهم: “الرياضة حق للجميع، لكننا نعيش وكأنها امتياز. لا يمكن أن تُصلح الملاعب بالمال العام ثم تُستغل ضد من مولها من ضرائبه.” أمام هذا الوضع، يطالب المواطنون السلطات المحلية، وعلى رأسها عامل عمالة مقاطعات سيدي البرنوصي، بالتدخل العاجل لوقف مظاهر الفوضى وإخضاع عملية التسيير للمراقبة والمساءلة، ضمانًا لحق الساكنة في ولوج عادل وشفاف لهذه المرافق. مراقبون يرون أن ما يحدث في سيدي مومن ليس حالة معزولة، بل مرآة لمعاناة وطنية يعيشها عدد من المدن التي تُنجز فيها ملاعب القرب بأموال عمومية، ثم تتحول لاحقًا إلى مشاريع خاصة تدر الأرباح على فئة محدودة دون حسيب أو رقيب. وبين خطاب التنمية وواقع الميدان، يظل السؤال مفتوحًا: هل نملك فعلًا ملاعب قرب أم أننا أمام ملاعب احتكار؟ إلى أن تتحرك الجهات الوصية وتُعيد الأمور إلى نصابها، ستبقى ملاعب القرب في سيدي مومن عنوانًا صارخًا للتناقض بين وعود الإصلاح وواقع الريع، وبين طموح الشباب وعبث من حول الرياضة إلى تجارة والمرفق العمومي إلى ملك خاص.

