
أن أكون مسلما لا يعني بالضرورة أن أكون مؤيدا لإقامة نظام سياسي إسلامي خاصة بعد التشوهات التي رسخت في ذاكرتنا نتيجة الإنزلاقات الكبرى للأنظمة العربية الإسلامية التي صنعت دساتير إسلامية مشوهة تتوافق ومصلحة الحاكم، فالمعضلة تكمن في الربط بين العقيدة الراسخة في القلوب وبين التيارات والحركات الإسلامية التي تناضل لفرض فكرها السياسي على الجميع وهو مذهب ديكتاتوري لا يتوافق وحق الأفراد في ممارسة حرية التعبير والنقد من باب التصويب، وهذا ترك آثاره على المجتمع الواحد المتنقل بين الحداثة والعلم والإنفتاح بالنسبة للفرد وهى حالة رغبوية عند الغالبية وبين الإنغلاق والإنقياد ضمن المتاح في حدود المسموح به عقائديا، فالمخرج الوحيد من المأزق السياسي الحالي الذي يتخبّط فيه العالم الإسلامي يتمثل في استنباط رؤى جديدة لاستنطاق الشريعة وفق التحولات الاجتماعية المستجدة وهو أمر ليس هينا في ظل تشكيك الفكر السلفي في مشروعية مختلف التأويلات المغايرة من خلال عزلها وشيطنتها.
أن السؤال حول علاقة حول الإسلام السياسي بالديمقراطية؟ هو سؤال حول علاقة مفهومين ينتميان إلى عالمين مختلفين ولا فائدة نظرية ترجى من وراء هذا السؤال وكذلك لا فائدة من سؤال حول التلاؤم أو التخارج بينهما والحقيقة أن من يطرح مثل هذا السؤال يجد نفسه في سياق البحث مرغما على التعامل مع إجابة واحدة ثابتة ولا فائدة ترجى من ورائها وهي أن لا تلاؤم قطعا، ومن الشواهد والأدلة على ذلك هو ما شهده العالم العربي من محاولات متعددة للإسلام السياسي للتعامل مع الديمقراطية منها حزب العدالة والتنمية المغربي فهو إلى جانب قبوله الديمقراطية سياسيا وتكتيكيا من أجل الوصول إلى السلطة وتبديد المخاوف من سيطرة الحزب على السلطة حاول تأكيد هذا القبول فلسفيا بمحاولة لملاءمة الإسلام مع الديمقراطية أو العكس، بكلمات أخرى يدعي الحزب أن الحركة الإسلامية لا تستطيع التعايش مع الديمقراطية فحسب بل هي الطريق الوحيد الممكن إلى الديمقراطية.
أن السعي لإقامة نظام ديمقراطي هو عامل جذب لكافة المكونات بمفهومه الواسع فالديمقراطية أسلوب حياة ويختلف من شعب لآخر في حين أن النظام السياسي الإسلامي هو قالب جامد محدد بخطوط لا يمكن تجاوزها كونها تستمد عناصرها من ثوابت العقيدة الغير قابلة للتطور ( النص المقدس ) وتمس حياة الأفراد الذين لا يحملون فكرها ويعارضونها، وهكذا نجد بأن الإسلام لسياسي يعتمد في منهجه العقائدي عل فكرة (الحاكمية لله) ويرفض بشدة غير ذلك من الآراء التي تناقض فكرة الحاكمية وتربطها بزمان ومكان العصر الذي نزلت في الآيات التي تتحدث عن حكم الله في الأرض، كما يعتمد الإسلام السياسي على سلاح التكفير والرفض في وجه كل من يقول بغير (حاكمية الله) ويعتمد هذه الفكرة أساسا نظريا قويا لفكرة إقامة الشريعة ودولة الخلافة في عموم بلاد المسلمين والعالم.
الخلاصة، أنه لا توجد هناك علاقة بين تيار الإسلام السياسي والديمقراطية وإن وجدت فإنها ليست إلا تكتيكا للوصول إلى السلطة وهنا تكمن عمق الأزمة التي يعيشها الإسلام السياسي الذي يشدّد مناصريه بالمغرب على أنه ينبغي أن يُترك الباب مفتوحا لقيام الأحزاب (الإسلامية) من منطلق قبولها بأسس الديمقراطية ومبادئها وآليات عملها والتداول السلمي للسلطة وهذا لا يجب أن يعني أيضا أن هذه الأحزاب ان وصلت للسطلة أن تحكم باسم الإسلام تحت شعار (الإسلام هو الحل) وهو ما يجعلنا في خوف على الديمقراطية وبروز الكراهية والإقصاء والفوبيا المتبادلة بين الإسلاميين والعلمانيين، فالخيار الديمقراطي الحقيقي هو الجامع والضامن الذي يضم التيارات المختلفة والتي تعمل وفق آليات الحكم الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة.
عبد الإله شفيشو/فاس
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.

