وجه نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء في حكومة عزيز أخنوش، تحذيراً من اتساع رقعة التفاوتات المجالية والاجتماعية بالمغرب، مؤكداً أن 60 في المائة من الثروة الوطنية تُنتَج في ثلاث جهات فقط، وهو ما يعمّق ما وصفه بـ“مغرب السرعتين” ويكرّس اختلالاً بنيوياً في توزيع فرص التنمية.
وخلال ندوة نظمتها رابطة المهندسين الاستقلاليين، أمس الخميس بالدار البيضاء، قدّم بركة قراءة رقمية دقيقة لأوجه التفاوت بين الجهات، معتبراً أن الجهود المبذولة خلال السنوات الماضية “لم تفلح بعد في تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بين الحواضر والقرى”.
وأوضح أن نسبة الفقر بالوسط القروي تبلغ 13 في المائة مقابل 4 في المائة في المدن، ما يجعل احتمالية الفقر في العالم القروي أعلى بأربع مرات من نظيرتها في الوسط الحضري، وهو ما يعكس خللاً هيكلياً في توزيع الثروة وفرص الارتقاء الاجتماعي.
وأضاف الوزير أن جهة الدار البيضاء-سطات إلى جانب جهتين أخريين تستحوذ على الجزء الأكبر من الناتج الداخلي الخام الوطني، في حين تبقى مساهمة باقي الجهات “هامشية”، مما يجعل التنمية الجهوية غير متوازنة ويعمّق مركزية القرار الاقتصادي.
وفي تشخيصه لوضع سوق الشغل، كشف بركة أن المدن تمكنت من خلق 113 ألف فرصة عمل خلال الثلث الأخير من سنة 2025، مقابل 107 آلاف فقط في القرى، وهو ما اعتبره “دليلاً على هشاشة الاقتصاد القروي وضعف تنوعه”، في ظل تأثيرات الجفاف وتراجع الإنتاج الفلاحي.
وأشار إلى أن مظاهر التفاوت لا تقتصر على الدخل وفرص العمل، بل تشمل أيضاً الخدمات الأساسية، إذ رغم توفر 98 في المائة من سكان القرى على الماء الصالح للشرب، فإن أقل من نصفهم فقط مرتبطون فعلياً بالشبكة، في حين لا يزال 22 في المائة محرومين من الإنترنت. وبرأيه، “لم يعد سكان القرى يطالبون اليوم بالطريق فقط، بل بالربط الرقمي كحق أساسي”.
كما تطرق الأمين العام لحزب الاستقلال إلى آثار جائحة كوفيد-19 على العدالة الاجتماعية، مبرزاً أن مؤشر جيني ارتفع من 38.5 إلى 40.5 بعد الجائحة، ما يعني تفاقم تركّز الثروة في يد فئة محدودة. وحذر من “قنبلة اجتماعية” يمثلها مليون ونصف شاب من فئة NEET (لا يدرسون ولا يعملون ولا يتلقون تكويناً)، 58 في المائة منهم بالعالم القروي و72 في المائة نساء.
وفي ما يخص التشغيل، وصف بركة أرقام البطالة بأنها “مقلقة”، إذ تصل إلى 35.8 في المائة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، و21.9 في المائة للفئة بين 25 و34 سنة، بينما تبلغ بطالة النساء 20 في المائة فقط، مشيراً إلى أن “80 في المائة من النساء المغربيات خارج سوق العمل، ما يعني أن نصف المجتمع غائب عن دينامية الإنتاج”.
أما في المجال الصحي، فكشف الوزير أن المغرب يتوفر على 13 طبيباً لكل عشرة آلاف نسمة فقط، فيما ينخفض المعدل في جهة درعة-تافيلالت إلى طبيبين فقط، مقابل أكثر من 6900 طبيب في جهة الرباط-سلا-القنيطرة، مما يبرز الحاجة إلى 30 ألف طبيب إضافي لتحقيق توازن صحي بين الجهات.
ورغم هذا التشخيص الصارم، شدد بركة على أن الحل لا يكمن في “إبطاء تطور الجهات المتقدمة”، بل في تحويلها إلى قاطرات للتنمية المشتركة، داعياً إلى وضع برامج مندمجة لتأهيل العالم القروي، وتشجيع المقاولات المحلية والتعاونيات، وتعزيز الشمول الرقمي لتقليص الفوارق الترابية.
واختتم مداخلته بالدعوة إلى “ميثاق أخلاقي وتنموي جديد” يؤسس لعدالة مجالية حقيقية، قائلاً:
“لا يمكن لمغرب الغد أن يتقدم بنصف طاقته فقط… فالتنمية لن تكتمل إلا بمشاركة النساء والشباب في بناء مستقبل البلاد.”

