حبيب سعداوي
بينما أشجار الزيتون تحتضر عطشا وتستغيث بصمت ، يخرج المسؤولون كل موسم بوعود جديدة لا تتجاوز حناجرهم ، وعود محفوظة في الرفوف مثل ملفات قديمة لا يفتحها أحد ، أما الفلاح البسيط في إقليم الفقيه بن صالح فقد حفظ الدرس جيدا : الأرض تموت والوعود لا تسقي زرعا ولا تملأ بئرا فارغا ، ولا تنقذ غلة مهددة بالاندثار ، “الله غالب” يقولها وهو يرى محصول سنة كاملة يتبخر أمام عينيه بينما قنوات الري إما جفت أو تخصص لفئة دون أخرى ، ومن استطاع أن يحفر بئرا اصطدم بفاتورة تقتل أكثر مما تروي” ماعدا أصحاب النفوذ”، والوعود التي تتكرر في كل لقاء أو اجتماع لم تعد تساوي شيئا سوى زيادة السخرية والخيبة ، شباب القرى بدورهم هجروا الأرض بعدما فقدت روحها فتحولت الحقول إلى مقابر للأشجار ، والقرى إلى محطات عبور نحو المدن والمهجر ، الفلاح هنا ضحية سياسات عرجاء تعرف كيف تعد ولا تعرف كيف تفي ، والمواطن البسيط يدفع الثمن مباشرة…غلاء الأسعار يلتهم دخله المحدود ، الخضر والفواكه والمنتجات الزراعية تصبح رفاهية بعيدة المنال ، والأمن الغذائي اليومي صار رهينا بمزاج المسؤولين وأمطار السماء ، والبطالة والفقر يزدادان ، والصحة والتغذية للأطفال معرضة للخطر ، بل الأزمة لا تقتصر على الإنسان فحسب ، بل تمتد لتؤثر على المناخ المحلي…الأشجار الميتة تقلل من التوازن البيئي ، درجات الحرارة ترتفع ، التربة تتدهور ، والظواهر المناخية القصوى تصبح أكثر شيوعا ، ما يزيد من هشاشة البيئة الزراعية ويهدد المستقبل ، المسؤولون بارعون في توزيع الأمل الوهمي كمن يبيع الماء في حانة عطشى ، لكن لا أحد يجرؤ على النزول إلى الميدان ورؤية الزيتون وهو يموت واقفا ، إننا أمام كارثة حقيقية لن يحلها لقاء بخطاب منمق ولا زيارة بروتوكولية ، بل قرارات شجاعة وعاجلة لإنقاذ ما تبقى قبل أن يتحول الفقيه بن صالح من خزان فلاحي إلى خزان وعود كاذبة ، وحينها لن ينفع البكاء على الأطلال ولا كتابة تقارير مطمئنة لأن الأرض حين تجف لن تعود ، والفلاح والمواطن حين يفقدان الأمل لن ينتظرا ، فالماء حياة والوعود كلام ، وبين الحياة والكلام ضاعت فلاحة وإقليم بأكمله وكرامة مواطنين ومستقبل بيئة لا تقدر بثمن.