حميد رزقي
تحوّلت مدينة أزيلال، على مدى أيام، إلى قبلة لآلاف الزوار وعشاق الفن والتراث، خلال فعاليات الدورة الرابعة عشرة من مهرجان “فنون الأطلس”، الذي تنظمه وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بشراكة مع المجلس الجماعي للمدينة ومجلس جهة بني ملال خنيفرة. تظاهرة فنية وثقافية متميزة أعادت الاعتبار للفنون الشعبية والمنتوجات المجالية، في مشهد يجمع بين البهجة والانتماء، ويعكس الدينامية الثقافية المتجددة التي يشهدها الإقليم.
منذ لحظة الافتتاح، بدا واضحاً أن المهرجان عاد هذه السنة بزخم قوي، وبحضور جماهيري غير مسبوق، ما يؤكد تعلّق الساكنة المحلية بهذا الموعد الثقافي السنوي، ويبرز في الآن ذاته، قدرته على استقطاب جمهور واسع من مختلف الفئات العمرية والمناطق.
تنظيم محكم وانطلاقة ناجحة
عرف اليوم الافتتاحي تنظيماً محكماً، أثار إعجاب المشاركين والزوار، سواء من حيث تأطير الفضاءات أو تنسيق فقرات الأنشطة، حيث تم افتتاح المعرض الإقليمي للمنتوجات المجالية الذي شاركت فيه العشرات من التعاونيات النسائية والجمعيات المحلية، قادمة من مختلف الجماعات الترابية للإقليم.
وعكس المعرض ثراء المنتوجات المجالية لأزيلال، من زيت الزيتون والعسل والأعشاب الطبية والعطرية، إلى منتجات الصناعة التقليدية والملابس الأمازيغية والمصنوعات اليدوية التي أبدعتها أنامل صانعات وصناع محليين. وقد شكّل المعرض منصة حقيقية لتسويق هذه المنتجات والتعريف بها لدى جمهور متعطش لاكتشاف خيرات المنطقة ومؤهلاتها.
وقد توافد الزوار من داخل وخارج الإقليم على أروقة المعرض، الذي تحوّل إلى فضاء مفتوح للتبادل بين المنتجين والحرفيين من جهة، والزوار والفاعلين الاقتصاديين من جهة أخرى. وأتيحت الفرصة للعديد من التعاونيات القروية لعرض منتوجاتها لأول مرة، في تجربة استثنائية عززت ثقتهم في قدراتهم الإنتاجية والتسويقية.
المهرجان لم يكن مجرد مناسبة للتسوق، بل كان فضاءً مفتوحاً للفرجة والترفيه والتعبير الفني، حيث تم تنظيم سهرات فنية كبرى شاركت فيها نخبة من الفرق الفنية الشعبية المحلية والوطنية. وتنوعت الفقرات بين فن أحيدوس وأحواش، والموسيقى الأمازيغية العصرية، فضلاً عن عروض فلكلورية جذبت جمهوراً غفيراً إلى الساحة الرئيسية.
المنظمون تمكنوا من استقطاب أبرز الفرق الفنية من أزيلال ونواحيها، إلى جانب فرق شعبية من مناطق أخرى من المغرب، ما أضفى على السهرات طابعاً احتفالياً متنوعاً يجمع بين الأصالة والمعاصرة. وتحوّلت ليالي المهرجان إلى أعراس جماعية صاخبة بالأنغام والزغاريد، وسط أجواء من الفرح الجماعي والتقاسم الوجداني.
كما احتضنت المدينة، خلال أيام المهرجان، استعراضات فنية في الساحات العمومية، وورشات للأطفال، وأنشطة ثقافية موازية، ما جعل من هذا الحدث الثقافي محطة جامعة لمختلف الفئات والاهتمامات.
حفل الاختتام… طلقة بارود في لحظة رمزية
الختام كان مسكاً، بل لحظة رمزية مؤثرة، حيث نظّمت الفرق المشاركة طلقة بارود جماعية شارك فيها ممثلو عدد من الفرق الفلكلورية، في عرض موحد عكس الانسجام بين المشاركين، وأكد تشبث الساكنة بتراثها الفني الأصيل. هذا المشهد، الذي تخلّلته الأهازيج والزغاريد، لاقى تجاوباً كبيراً من الجمهور، وأعاد إلى الأذهان طقوس الاحتفال الجماعي التي تميّز الثقافة الأمازيغية الجبلية.
وبموازاة ذلك، تم تنظيم حفل تتويج العارضين في المعرض المجالي، بحضور رئيس المجلس الجماعي وباشا المدينة وعدد من المسؤولين والمنتخبين، حيث تم توزيع شواهد المشاركة على ممثلي التعاونيات والجمعيات، تقديراً لمساهماتهم في إنجاح المعرض والمهرجان.
صوت المسؤولين… ودعم التنمية
في كلمة له بالمناسبة، أكد رئيس المجلس الجماعي لأزيلال على أهمية المهرجان كرافعة للتنمية المحلية، وفضاء لتسويق المنتوجات المجالية، وتمكين المرأة القروية، وتعزيز الاقتصاد التضامني. واعتبر أن نجاح الدورة الحالية يعكس روح التعاون القائم بين مختلف الشركاء، من سلطات محلية، ومجتمع مدني، ومؤسسات داعمة، ما يمنح المهرجان مصداقية وفعالية متزايدة سنة بعد أخرى.
كما نوّه المتحدث بحجم الإقبال الجماهيري، وبالنجاح التنظيمي الذي ميز كل فقرات المهرجان، داعياً إلى تثمين هذا الزخم الثقافي من خلال استمرارية الدعم العمومي وتعزيز انخراط القطاع الخاص.
المهرجان… منصة للترويج والتنمية
أثبت مهرجان فنون الأطلس في دورته الرابعة عشرة أن الثقافة ليست ترفاً، بل دعامة حقيقية للتنمية المحلية. فالمهرجان لم يكتف بالفرجة، بل شكّل منصة لتلاقي الفاعلين في مجالات متعددة، وفرصة للتعريف بالمؤهلات الطبيعية والثقافية والسياحية لأزيلال، فضلاً عن تحفيز الشباب على الانخراط في مشاريع إنتاجية وثقافية.
وهو بذلك نموذج حيّ على قدرة المهرجانات الجهوية على الجمع بين الأبعاد الفنية، والاقتصادية، والاجتماعية، في خدمة الإنسان والمجال، وبذلك يبقى مهرجان “فنون الأطلس” موعداً استثنائياً يعكس الوجه المشرق لأزيلال، ويكرّس موقعها كقاطرة للثقافة والتنمية في جهة بني ملال خنيفرة، وفضاءً مفتوحاً للاحتفاء بالهوية والابتكار والانتماء.