في كل سنة مع عيد العرش، تتجدد طقوس البيعة التي يعبر فيها المغاربة عن ولائهم للملك، من خلال حضور مسؤولين منتخبين بلباسهم الأبيض التقليدي والانحناء أمام جلالته، في مشهد يحمل رمزية تاريخية عميقة.
غير أن هذا الطقس الرمزي بات اليوم موضوع تساؤل سياسي جوهري:
هل نبايع الملك بالصور واللباس الأبيض، أم نبايعه بالتنمية والعدالة وخدمة المواطن؟.
إن الولاء الحقيقي للملك لا يقاس بمدى انحناء الرؤوس، ولا بمدى بياض الجلابيب في حفل البيعة، بل بمدى الترجمة الفعلية لتوجيهاته على أرض الواقع. فالمؤسسات المنتخبة، والإدارات العمومية، والنخب السياسية، مطالبة بإثبات هذا الولاء من خلال الالتزام الجاد والمسؤول بتنفيذ مضامين الخطابات الملكية، وتحقيق نتائج ملموسة في حياة المواطنين.
وقد أبدى الملك محمد السادس نصره الله في أكثر من مناسبة، حرصه الشديد على ربط التنمية بتحسين ظروف عيش المواطنين، حين شدد قائلا:
“لن أكون راضيا، مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، إذا لم تساهم، بشكل ملموس، في تحسين ظروف عيش المواطنين، في جميع المناطق والجهات.”
فهل من الوفاء أن يبقى ابن الأطلس يقطع الأميال نحو مدرسة بعيدة؟
هل من الطاعة أن تضطر أم من الأطلس المتوسط او الكبير إلى قطع كيلومترات بحثا عن التطبيب والماء؟
وهل من البيعة أن تستفيد فئة من كل الامتيازات، بينما تترك فئات أخرى لتصارع التهميش والبطالة واليأس؟
لقد عبر الملك مرارا وتكرارا عن استيائه من بطء تنفيذ البرامج التنموية، ومن بيروقراطية تقبر التعليمات الملكية قبل أن ترى النور. وجاء ذلك صريحا في أحد خطاباته:
“بعض المسؤولين يعتقدون أن الأمور تحل بالخطابات والنيات، بينما المطلوب هو العمل والنتائج.”
وفي إشارة صريحة إلى المسؤولين الذين يعرقلون مسيرة الإصلاح، وجه الملك تساؤلا يعد بمثابة صدمة تهز الضمائر: “وإذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟”
إن هذا التساؤل الملكي لم يكن خطابا بروتوكوليا، بل نداء صريحا يجب أن يقلق كل من يحمل مسؤولية عمومية، لأن البيعة في جوهرها ليست مجرد طقس، بل امتحان حقيقي للمسؤولين: هل هم أوفياء لرؤية الملك؟ أم أوفياء لمواقعهم ومصالحهم؟.
فالبيعة التي لا تنتج تنمية، ولا تحقق عدالة، ولا تحسن حياة المواطن، تبقى مجرد تقليد فارغ من معناه.
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.