تبديد واختلاس أموال عمومية في صفقات ضخمة بجماعات ترابية
توصلت اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، التابعة للأمانة العامة للحكومة، بشكايات حول خروقات وتلاعبات شابت عملية تفويت صفقات عمومية من طرف جماعات ترابية عن طريق شركات التنمية المحلية دون الالتزام بمسطرة طلب العروض المنصوص عليها في قانون الصفقات العموميـة، ما يجعل هذه الصفقات غير خاضعة للمراقبة والمحاسبة.
وأفادت المصادر بأنه تم تسجيل تلاعبات بالمال العام في صفقات جرى تفويتها عن طريق شركات التنمية المحلية بالعديد من الجماعات التي أسست هذا النوع من الشركات للهروب من المساءلة، كما تحوم شبهات حول تبديد واختلاس أموال عمومية في صفقات ضخمة تم الإعلان عن طلبات العروض الخاصة بها وفق نظام المشتريات الخاص بهذه الشركات وليس وفق مرسوم الصفقات العموميـة
وتوصلت وزارة الداخلية بتقارير سوداء حول تلاعبات شابت صفقات بالعديد من الجماعات الترابية، وخاصة بالمدن الكبرى، ومن بينها صفقات لإنجاز دراسات وهمية تستفيد منها مكاتب دراسات في ملكية سياسيين مقربين حزبيا من رؤساء الجماعات. وسجلت تقارير الافتحاص وجود اختلالات في تدبير الصفقات العمومية، تتجلى في إقصاء متنافسين بدون مبرر، ومنح صفقات أشغال لمقاولات مراجعها التقنية غير كافية، والأداء مقابل أشغال غير مطابقة للشروط المطلوبة، وعدم تطبيق الغرامات في حق المقاولات التي لا تحترم التزاماتها التعاقدية، وظهور عيوب في الأشغال المنجزة والمستلمة.
وتبرر هذه الشركات عدم التزامها بتطبيق مسطرة الصفقات العموميـة بكون قرار وزير الاقتصاد والمالية رقم B – 3535 حدد لائحة المؤسسات العمومية التي يتعين عليها تطبيق مقتضيات مرسوم الصفقات العمومية، والتي لا تشمل شركات التنمية المحلية، بالإضافة إلى أن الفقرة 7 من المادة 3 من مرسوم الصفقات العمومية نصت على أنه تستثنى من مجال تطبيق المرسوم رقم 2.22.431 الأعمال المنجزة لحساب الجماعات الترابية من لدن الأشخاص الاعتباريين الخاضعين للقانون العام التابعين لها أو شركات التنمية المحلية، في إطار اتفاقات يحدد شكلها وشروطها بقرار للوزير المكلف بالداخلية، وبالتالي تعتبر هذه الشركات نفسها أنها غير خاضعة لمقتضيات المرسوم رقم 2.22.431 المتعلق بالصفقات العمومية، وتؤكد هذه الشركات أنها تتوفر على نظام مشتريات خاص بصفقاتها تمت المصادقة عليه من قبل مجالسها الإدارية، وبالتالي هو النظام الواجب التطبيق.
وفي ردها، اعتبرت اللجنة الوطنية للطلبيات العموميـة أن هذه المبررات والدفوعات المستند عليها لخرق مسطرة الصفقات العموميـة، غير جديرة بالاعتبار، وأوضحت أن الاستدلال بمقتضيات الفقرة 7 من المادة 3 من مرسوم الصفقات العمومية استدلال في غير محله باعتبار أن الأعمال التي تم استثناؤها من نطاق تطبيق المرسوم وبصريح هذه الفقرة هي الأعمال المنجزة من قبل شركة التنمية المحلية لفائدة الجماعة الترابية أي الأعمال التي تنجز فعلا من قبل هذه الشركة.
وأضافت اللجنة أن الصفقات التي يتم تفويتها تتعلق بأشغال تم إنجازها من قبل مقاولة أو شركة خاصة وليس من قبل شركة التنمية وأن دور هذه الأخيرة يقتصر فقط على إنجاز المهام الموكولة إليها كصاحب مشروع منتدب، أي أن أنها تقوم مقام الجماعة صاحبة المشروع وليس مقام الشركة صاحبة الصفقة التي ستلتزم بإنجاز الأشغال. وخلصت اللجنة في قرارها إلى أن الصفقات التي يقتصر فيها دور شركة التنمية المحلية على أداء المهام الموكولة إليه باعتبارها صاحب مشروع منتدب ومن تم الحلول محل صاحب المشروع (الجماعة الترابية) غير مشمولة بمقتضيات الفقرة 7 من المادة 3 من مرسوم الصفقات العمومية.
أما الاستدلال بكون شركة غير واردة في القرار الوزاري المحدد للمؤسسات العمومية الملزمة بتطبيق مقتضيات مرسوم الصفقات العمومية، اعتبرته اللجنة استدلالا في غير محله كذلك، باعتبار أن القرار المشار إليه يهم المؤسسات العمومية والحال أن هذه الشركات ليست مؤسسات عمومية وإنما هي شركة تنمية محلية.
واعتبرت اللجنة كذلك دفع هذه الشركات بكونها تتوفر على نظام للمشتريات خاص بصفقاتها تمت المصادقة عليه من طرف مجالسها الإدارية، هو دفع مردود عليه، باعتبار أن هذا النظام إنما يطبق على الصفقات والمشتريات التي تكون فيها هذه الشركة هي المتعاقد الأصلي أي صاحبة المشروع، في حين أنها ملزمة بتطبيق مسطرة طلب العروض وفق مرسوم الصفقات العموميـة عندما تكون صاحبة مشروع منتدب لفائدة جماعة ترابية، وليست صاحبة مشروع أصلي.
وكان المجلس الأعلى للحسابات حذّر من لجوء الجماعات إلى تأسيس شركات للتنمية المحلية، ولاحظ أن هناك لجوءا متزايدا لإحداث هذا الصنف من الشركات في السنوات الأخيرة، ذلك أن 26 شركة، أي ما يعادل 62، أحدثت منذ خمس سنوات على الأكثر، كما أن 90 في المائة من هذه الشركات تم إحداثها في غياب دراسات قبلية، وأن 10 شركات تعرف صعوبات هيكلية.
ویرى المجلس أن هذا النمط من التدبير، بالرغم من مجهودات السلطات العمومية من أجل إحداث ومواكبة هذه الشركات، مازال بحاجة إلى مزيد من الضبط والترشيد، حيث لوحظ في بعض الحالات لجوء شركات التنمية المحلية إلى شركات خاصة من أجل إنجاز الأعمال المنوطة بها، مما يزيد من ارتفاع كلفة تدبير المرفق والخدمات المسندة لها.
وفي هذا الصدد، دعا المجلس إلى التأكد من جدوى إحداث شركات التنمية المحلية من خلال دراسات مالية واقتصادية ودراسات مقارنة مع باقي أنماط التدبير وكذا عبر تحديد الحاجيات على المدى البعيد، مع الأخذ بعين الاعتبار الوسائل والإمكانيات المتاحة، كما أكد المجلس على ضرورة مواكبة الجماعات الترابية للرفع من أدائها على مستوى الجمعيات العمومية والمجالس الإدارية لشركات التنمية المحلية وعلى مستوى صياغة الاتفاقيات ذات الصلة وتتبعها.