قلم : حطاب الساعيد
أصبح الفساد والريع في المغرب ظاهرة مهيمنة، تعيق التنمية وتوسع الهوة الاجتماعية بين المواطن والنخبة. ومن أبرز الأمثلة على فشل الدولة في مواجهته عدم المصادقة على قانون “الإثراء غير المشروع” رغم إقراره مسبقا، قانون كان من المفترض أن يكون أداة لمحاسبة المسؤولين ومكافحة التراكم غير المشروع للثروات.
القانون الذي طال انتظاره يهدف إلى كشف أي تضارب مصالح بين المسؤولين وممتلكاتهم وضمان شفافية الثروة العامة، لكن مقاومة قوية من بعض النخب السياسية والاقتصادية حالت دون تطبيقه. فالخوف من مساءلة المسؤولين والمصالح المتشابكة بين رجال السياسة والمال وغياب إرادة سياسية حقيقية جعلت القانون حبيس الأدراج وفتح المجال لاستمرار استغلال الثروات العامة بشكل غير عادل.
البرلمانات المتعاقبة، وأغلب الأحزاب التي تولت السلطة من حزب الاستقلال إلى الاتحاد الاشتراكي وصولا إلى العدالة والتنمية وحزب الأحرار لم تتجرأ على تطبيق القانون أو فرض الشفافية.فالنخب السياسية والاقتصادية رفضت المساءلة مستندة إلى مصالح شخصية خوف من كشف ملفات مالية ضخمة قد تهز مصالحها.
الاعلام الرسمي بدوره اكتفى بتلميع صورة الحكومة وتجاهل حجم الثروات التي تظل خارج رقابة المواطن .
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن عدم المصادقة على هذا القانون يعكس خللا هيكليا في منظومة الحكم والرقابة بالمغرب ويؤكد ما كان يندده المفكرون والسياسيون منذ عقود: أن الفساد لا يقتصر على تجاوز القانون، بل يمتد إلى تكريس الهياكل التي تمنع مساءلة المسؤولين وتمنحهم حصانة فعالة. ابن خلدون في هذا الصدد حذر قائلا: “الظلم مؤذن بخراب العمران” وهو ما يبدو اليوم واقعا على مستوى الثقة بين المواطن والدولة.
النتيجة واضحة: ثروات وطنية ضخمة تستغل من قبل القلة في حين يظل المواطن العادي بلا نصيب ملموس من التنمية، والخدمات الأساسية، أو فرص العمل. وإذا استمر هذا الوضع فإن الهوة الاجتماعية ستتسع، وسيصبح الاستياء الشعبي والانفجار الاجتماعي أمرا متوقعا لا محالة.
المغرب بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية: المصادقة الفورية على قانون الإثراء غير المشروع، وربطه بتنفيذ فعلي يضمن مساءلة المسؤولين وإصلاح منظومة توزيع الثروة وتفعيل الرقابة على المال العام. أي تأجيل أو تراخي في هذه القضايا لن يكون إلا استمرارا للفشل التاريخي في مواجهة الفساد والريع.
الفساد المستشري والريع غير المنضبط لا يمكن مواجهته إلا بإرادة سياسية قوية، وقانون فعال يحمي المال العام ويعيد الحقوق إلى أصحابها الحقيقيين: الشعب المغربي.