حليمة صومعي
في خطوة جديدة تترجم القلق المتصاعد من المخاطر الرقمية التي تهدد الأطفال في العالم العربي، انضمت الكويت إلى كل من الأردن وعُمان وقطر بإعلانها حجب منصة الألعاب الشهيرة “روبلوكس”، التي تحولت من مجرد لعبة ترفيهية إلى فضاء مليء بالتحديات الأمنية والسلوكية.
القرار لم يكن مفاجئاً، فقد تزايدت خلال الأشهر الماضية أصوات الأهالي وخبراء التربية والتقنيات، محذرين من بيئة اللعبة التي تسمح بتفاعلات غير آمنة، وتفتح الباب أمام استغلال إلكتروني وابتزاز نفسي ومالي للأطفال، فضلاً عن نشر محتويات غير مناسبة لسنهم، وترويج سلوكيات منحرفة قد تترك آثاراً سلبية على شخصياتهم الناشئة.
وإذا كان العالم اليوم يعيش على إيقاع التحول الرقمي السريع، فإن أكثر ما يقلق هو انفلات الفضاء الافتراضي من الضوابط، وترك الأبواب مشرعة أمام شركات تسعى للربح على حساب براءة الطفولة. “روبلوكس” مثال صارخ لهذا التناقض: لعبة تُسوّق على أنها مساحة للإبداع والتسلية، لكنها تتحول عملياً إلى ساحة تعرّض القُصَّر لممارسات خطيرة، سواء عبر المحتويات الجنسية والعنيفة أو الإغراء بالشراء الإلكتروني الذي ينهك جيوب الأسر.
خطوة الكويت تطرح سؤالاً أكبر: هل حجب المنصات هو الحل النهائي؟
البعض يرى أنه إجراء وقائي ضروري أمام عجز الأسر عن المراقبة المستمرة، وضعف وعي الأطفال بمخاطر العالم الافتراضي. لكن آخرين يعتبرونه حلاً مؤقتاً، لأن البدائل ستظل موجودة، ولأن التكنولوجيا لا تعترف بالحدود الجغرافية.
المطلوب اليوم، إلى جانب القرارات الرسمية، هو بناء ثقافة رقمية أسرية ومجتمعية، تبدأ من التوجيه داخل البيت والمدرسة، وتُستكمل بسياسات وطنية تضع حماية الطفل في قلب استراتيجيات التحول الرقمي. فحجب “روبلوكس” قد يغلق نافذة خطرة، لكنه يترك عشرات النوافذ الأخرى مشرعة.
إن حماية الأطفال في زمن التكنولوجيا لم تعد ترفاً، بل معركة وجودية، يخوضها الجميع: الدولة، المدرسة، الأسرة، والإعلام. والكويت بخطوتها الأخيرة لم تفعل سوى دق ناقوس الخطر بصوت أعلى، موجهة رسالة واضحة مفادها أن مستقبل الأوطان يبدأ من حماية الطفولة.. حتى في الفضاء الافتراضي.