محسن خيير
من جديد، تعود قضية ترحيل المرضى النفسيين والمشردين إلى الواجهة، وهذه المرة من طنجة، حيث خرجت أم مكلومة تناشد المساعدة للعثور على ابنها المريض نفسياً الذي نُقل بشكل غامض إلى مدينة بني ملال، وفق ما وثّقه موقع “طنجة نيوز”.
الواقعة المؤلمة فتحت جرحاً قديماً ظل ينزف في صمت: سياسات الترحيل العشوائي التي تنتهجها بعض المدن الساحلية والشمالية في حق الفئات الهشّة، دون أي مقاربة إنسانية أو اجتماعية واضحة.
فليست هذه أول حالة، فقد سبق لشاب من سيدي بنور أن روى كيف كان يقضي عطلته بمدينة الناظور، فإذا بحملة تمشيطية تقتاده قسراً نحو حافلة أقلته إلى بني ملال، رغم أنه لا ينتمي لفئة المشردين ولا المرضى النفسيين. هذه الحادثة كشفت هشاشة المنهجية المتبعة، وغياب أي تدقيق أو معايير واضحة قبل الترحيل.
لكن الأخطر من ذلك، أن هذه السياسات لم تعد مجرد مشكل اجتماعي، بل تحولت إلى تهديد حقيقي للأمن العام. ففي مدينة بني ملال، سبق أن تعرض شرطي كان ينظم حركة المرور لعضة مفاجئة على مستوى يده من طرف مختل عقلي، بينما شهد جناح الأمراض النفسية بالمستشفى الجهوي قبل أشهر جريمة بشعة بعدما أقدم نزيل مضطرب على ذبح زميله داخل الجناح نفسه. أما في إيموزار كندر، فقد ودّعنا شهيد الواجب، الشرطي الذي قُتل طعناً على يد شخص يعاني اضطراباً نفسياً.
كل هذه المآسي تؤكد أن استمرار الترحيل العشوائي ورمي هؤلاء المرضى من مدينة إلى أخرى دون علاج أو متابعة، ليس سوى وصفة جاهزة لتكرار الكوارث. فبني ملال، وغيرها من مدن الداخل، لا تتوفر على بنية كافية من مستشفيات نفسية أو مراكز إيواء، ومع ذلك تتحمل العبء الأكبر من هذه السياسات اللامسؤولة.
يقين 24 تعتبر أن ما يحدث يعد انتهاكاً صارخاً للكرامة الإنسانية، وفضيحة اخلاقية، اجتماعية و سياسية تقتضي تدخلاً عاجلاً قبل أن تتكرر المأساة. المطلوب ليس ترحيل المعاناة، بل مواجهتها ببناء مستشفيات جهوية متخصصة، وتوفير مراكز إيواء مؤهلة، في إطار استراتيجية وطنية تحترم حقوق الإنسان وتضع سلامة المجتمع فوق كل اعتبار