حليمة صومعي
ليس كل يوم أن تشهد ساحة واحدة بمنطقة أجدير إيزوران لقاءً نادراً يجمع إيقاع “أحيدوس” الأمازيغي الأصيل بصيحات غجرية من “الفلامينكو” الإسبانية الشغوف، وتتكاتف فيه ألحان فرقة فسيفسائية إفريقية معبّرة عن روح القارة السمراء. هذا المشهد الإيكوغرافي الفريد كان جوهرة التاج في حفل افتتاح الدورة السادسة من المهرجان الدولي أجدير إيزوران في نسخته الصيفية، مساء الخميس 21 غشت 2025، تحت رعاية السيد عامل الإقليم، الذي حضر وأشرف على الافتتاح ليمنح التظاهرة بعدها الرسمي، مؤكداً أن الثقافة ركيزة أساسية في النموذج التنموي ورافد لتعزيز الهوية المحلية وترسيخ قيمها.
الافتتاح تحول إلى لوحة فنية نادرة جسدت عمق التمازج الثقافي الذي يميز المغرب عبر تاريخه، حيث التقت لغة الجسد الجماعية والمتماسكة في “أحيدوس” مع شجن “الفلامينكو” الفردي والتعبيري، لتصنع حواراً فنياً صامتاً بين ضفتي المتوسط، فيما أضافت الإيقاعات الإفريقية دفئاً خاصاً وصوراً طبيعية استحضرت أجواء الأدغال. وقد جاءت الفرقة الإفريقية المتعددة الجنسيات لتعزز هذا المعنى، مقدمة عرضاً يوحد التنوع في تناغم يرمز إلى التضامن القاري، ومؤكدة مكانة المغرب كبوابة لإفريقيا وركيزة في نسيجها الثقافي. ولم يكن هذا المزج اعتباطياً، بل استحضاراً لذاكرة جماعية صاغت عبر قرون نسيج الهوية المغربية الغنية، المتشكلة من تداخل التأثيرات الأندلسية والإفريقية والعربية والأمازيغية.
من خلال هذا النفس الفني والبرمجة الذكية، ارتقى مهرجان أجدير إيزوران من مجرد مناسبة للفرجة إلى منصة ثقافية وحضارية، تبعث برسائل عميقة تؤكد أن الهوية المغربية هوية متعددة ومنفتحة، وأن المغرب قادر على مد جسور التعاون الثقافي مع أوروبا وإفريقيا في الحاضر كما فعل في الماضي. كما جسدت هذه العروض درساً عملياً في التسامح وقبول الآخر، مؤكدة أن الفنون قادرة على تجاوز الحدود وكسر الصور النمطية وبناء فضاء إنساني مشترك.
الدورة السادسة من هذا المهرجان لم تكن احتفالاً فنياً فحسب، بل كانت بياناً ثقافياً موجهاً للعالم، يعلن أن المغرب بثقافته الأصيلة وانفتاحه المتجذر لا يزال حاملاً لرسالة التفاعل الحضاري، وممثلاً لجسر إنساني يربط الشمال بالجنوب والمشرق بالمغرب في لوحة واحدة متناغمة.