أضحى تأمين القمح بالنسبة للمغرب ورقة إستراتيجية لا تقل أهمية عن باقي الملفات الحيوية، في ظل ما تعرفه البلاد من مواسم فلاحية متذبذبة بفعل ندرة الأمطار وموجات الحر التي أضعفت مردودية الأراضي الزراعية. تقرير صادر عن وزارة الزراعة الأمريكية كشف أن واردات المملكة من القمح ستبلغ 7,5 ملايين طن خلال الموسم التسويقي 2025/2026، وهو رقم يعكس حجم التحدي الذي يواجه الأمن الغذائي الوطني، خاصة أن المغرب يعتمد على الخبز كغذاء رئيسي للأسر.
المعضلة ليست محلية فقط، بل عالمية، إذ توقعت الهيئات الزراعية أن ينخفض احتياطي القمح العالمي إلى 256,2 مليون طن، وهو أدنى مستوى منذ قرابة عقد، نتيجة تراجع الإنتاج في أوروبا وروسيا وأوكرانيا. هذا الوضع يفرض على المغرب أن يبقى يقظًا في تأمين حصته من السوق الدولية، في وقت ترتفع فيه كلفة الاستيراد وتزداد المنافسة بين الدول.
رياض أوحتيتا، خبير فلاحي، يرى أن المغرب استفاد من دروس السنوات الماضية، حيث سارع إلى رفع احتياطاته من الحبوب إدراكًا بأن التساقطات المطرية غير كافية لضمان الاكتفاء الذاتي. ويؤكد أن تبخر المياه من السدود تحت تأثير موجات الحر الأخيرة وتراجع الفرشات المائية عوامل تجعل البلاد أكثر هشاشة أمام أي أزمة غذائية مستقبلية.
المهندس الزراعي أنس منصوري يربط بدوره ارتفاع الاستيراد بضعف المحاصيل المحلية، مبرزًا أن الجفاف خفّض إنتاج المغرب من الحبوب بنسبة تفوق 50 في المائة خلال المواسم الأخيرة، بل إن دراسات أكاديمية سجلت عجزًا يتجاوز 40 في المائة في بعض المناطق الشمالية. ويضيف أن المغرب يجد في السوق الأمريكية موردًا أساسيا، ليس فقط بفعل الجودة، بل أيضا بفضل اتفاقية التجارة الحرة التي تعفي وارداته من الرسوم الجمركية، ما يمنحه متنفسًا في مواجهة غلاء الأسعار العالمية، غير أن هذا الاعتماد يظل رهينا بعوامل مناخية داخل الولايات المتحدة نفسها، التي قد تخفض صادراتها إذا واجهت مواسم سيئة.
في ظل هذه المعطيات يتضح أن معركة القمح لم تعد مجرد قضية موسمية مرتبطة بالمطر، بل أضحت رهانًا استراتيجيًا يتقاطع فيه المناخ بالاقتصاد والسياسة الدولية. المغرب مطالب بمواصلة بناء مخزون احتياطي قوي وتطوير سياسات فلاحية بديلة تركز على تقنيات السقي العصري وزراعة أصناف مقاومة للجفاف. فالقمح لم يعد مجرد محصول زراعي، بل هو صمام أمان اجتماعي واقتصادي، وأي خلل في توازنه قد يفتح الباب أمام تداعيات اقتصادية وحتى اجتماعية أوسع.