في قلب جهة بني ملال خنيفرة ما تزال عشرات الدواوير والمداشر تقاوم الفقر والعطش والعزلة، فيما تتسع الهوة بين ساكنة مهمشة ونخب سياسية وإدارية راكمت ثروات مشبوهة في غياب أي مساءلة أو محاسبة. واقع مؤلم يثير تساؤلات حارقة حول مستقبل التنمية بالمنطقة، وحول حدود صبر الساكنة أمام سياسات وُصفت بالعاجزة عن الاستجابة لأبسط الحقوق الأساسية.
محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، عبّر بحدة عن استغرابه من استمرار أزمة الماء الصالح للشرب في إقليم أزيلال، قائلاً: “عامل العمالة يترك دواوير بأكملها تواجه العطش ويستمتع بعطلته، وكأن الأمر لا يعنيه. هل ينتظر خروج الساكنة إلى الشارع لتقديم وعود قد لا تُنفذ؟”
وأضاف الغلوسي أن على العامل المعين حديثاً أن يغادر جدران مكتبه ليستمع مباشرة لمطالب المواطنين ويتدخل بشكل عاجل لمعالجة هذه الأزمة التي تنذر بتوتر اجتماعي.
وعلى الرغم من غنى جهة بني ملال خنيفرة بمواردها الطبيعية والسياحية والاقتصادية، فإن الغلوسي يؤكد أن “عدداً من المسؤولين المحليين تفننوا في تحويل المال العام إلى مصدر للثراء الفاحش، بينما بقيت مشاريع فك العزلة مجرد شعارات بلا أثر على الأرض”.
وأشار إلى أن بعض المنتخبين والمسؤولين لم يكونوا يملكون شيئاً قبل سنوات، “لكنهم اليوم صاروا يملكون فيلات وعقارات داخل وخارج المغرب، في وقت تعيش فيه ساكنة مناطق بأكملها على وقع الحرمان والتهميش”.
الغُلوسي لفت أيضاً إلى أن الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية في الإقليم والجهة تكاد لا تصلها أعين الرقابة، لا من المفتشية العامة للإدارة الترابية ولا من المجلس الأعلى للحسابات، وهو ما شجع، حسب قوله، على توسيع شبكات المصالح والمنافع دون خوف من المحاسبة.
‘‘هذا الغياب شبه التام للرقابة جعل من بعض الجماعات الترابية ورشاً مفتوحاً للنهب والصفقات المشبوهة وتوزيع الامتيازات، حتى القفف التي تُمنح في بعض المناسبات لم تسلم من الاستغلال”، يضيف المتحدث.
وفي الوقت الذي يتباهى فيه البعض بما حققوه من ثروة، تكشف مطالب الساكنة عن هشاشة مؤلمة: طرق معبدة، حفر الآبار، سيارات إسعاف، مستوصفات قروية، مدارس، دور الطالب، الكهرباء، المنح الدراسية، النقل المدرسي، وحتى خدمة الأنترنت.
يقول الغلوسي بأسى: “في القرن 21 ما زالت نساء حوامل تفقد حياتها بسبب غياب سيارة إسعاف أو طريق معبدة. هذه ليست مطالب رفاهية بل حقوق أساسية يفترض أن تكون مضمونة للجميع”.
وحذر الغلوسي من أن استمرار تجاهل هذه المطالب سيُشكل “قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه الجميع”، مشدداً على أن التساهل مع الفساد ونهب المال العام والإثراء غير المشروع يراكم الغضب الاجتماعي ويقود نحو أزمة حقيقية.
واختتم بالقول: “الناس في الجهة راكمت البؤس والإقصاء، بينما رآكم بعض المسؤولين الثروة والنفوذ. آن الأوان ليدق جرس الحساب، فالمحاسبة ليست خياراً بل ضرورة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه”.